إذ الفقه ليست إلا فهم الكتاب و السنة و ما قضى به الصحابة كلهم أو أحد منهم و لم يكن منهما، وكذلك ما قضى به التابعون لهم بإحسان و لم يكن في المصادر الثلاثة المذكورة آنفاً، فهذا هو ما نحن بصدده، بأن الله تعالى قد بيّن في هذه الآية أصلاً لجميع ما يأمر به و ينهي عنه، هو و رسوله، و أصحاب رسوله و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. و لا شك أن هذه الشريعة قد وصلت إلينا بواسطة هؤلآء الذين نسميهم سلف الصالحين، طبقة بعد طبقة، جيلا بعد جيل.

والعقل الإنساني يعرف بأن للأقرب معرفة تامة بمن كان قبله بنسبة الأبعد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف بالله و بدينه بنسبة غيره، ثم معشر الأنبياء، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من تبعهم، ثم الأقرب فالأقرب، حتى وصلت النوبة إلى أمثالنا.

وقبل هذا قد وصلت النوبة إلى معشر الفقهاء، الأئمة الأربعة وغيرهم من الأكابر، و لا شك هم أعلم بنا بما في الكتاب و السنة، كما أشار إليه الإمام الترمذي، فقال:

وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي الْحَدِيثِ [7] ( http://majles.alukah.net/#_edn7).

ولذلك نقول و بالله التوفيق: إنهم رزقوا فهم الكتاب و السنة و ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم فتفكروا و بذلوا جهدهم لتدوين الشريعة الإسلامية من حيث القانون لنوع الإنساني عموماً وللمسلمين خصوصاً.

وفي ناحية أخرى جعلوا الفلاسفة يرتبون الخطوط لإتباع الناس و قالوا: إن لعمل الناس ثلاث درجات: تهذيب الأخلاق و تدبير المنزل و السياسة المدنية [8] ( http://majles.alukah.net/#_edn8).

و الدرجة الأولى أعني تهذيب الأخلاق تتعلق بالفرد الواحد من المجتمع الإنساني سواء كان رجلاً أو امرأة، و يبحث عن ما يتعلق بنفسه دون غيره، مثلاً: عن شخصيته، عن شيمه، عن أخلاقه، عن اعتقاداته، عن عباداته وغير ذلك عن ما يتعلق به خاصة.

أما الثانية أعني تدبير المنزل، فهي تتعلق بما جرى في المنازل و بيوت الناس، من علاقات بعضهم ببعض، و ما لهم و ما عليهم وغير ذلك مما لا بد له في بيت من بيوت المجتمع.

أما الثالثة أعني السياسة المدنية، فهي بما يجري في البلاد عامة، من علاقات بعض البلاد ببعض، و بعض ممالك ببعض، داخلة و خارجة، أمور المتعلق بأهلها، و أنظمة هذه البلاد وغير ذلك مما لا بد منه لتطوير المجتمع إلى النجاح و الفلاح.

وأما الفقهاء فقالوا ما يلي:

اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ أُمُورِ الدِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادَاتِ، وَالْعِبَادَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَالْمَزَاجِرِ، وَالْآدَابِ. فَالِاعْتِقَادَاتُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالْعِبَادَاتُ خَمْسَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ. وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْمُنَاكَحَاتُ، وَالْمُخَاصِمَاتُ، وَالْأَمَانَاتُ، وَالتَّرِكَاتُ. وَالْمَزَاجِرُ خَمْسَةٌ: مَزْجَرَةُ قَتْلِ النَّفْسِ، وَمَزْجَرَةُ أَخْذِ الْمَالِ، وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ السِّتْرِ، وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ الْعِرْضِ، وَمَزْجَرَةُ قَطْعِ الْبَيْضَةِ. وَالْآدَابُ أَرْبَعَةٌ: الْأَخْلَاقُ، وَالشِّيَمُ الْحَسَنَةُ، وَالسِّيَاسَاتُ، وَالْمُعَاشَرَاتُ. فَالْعِبَادَاتُ، وَالْمُعَامَلَاتُ، وَالْمَزَاجِرُ مِنْ قَبِيلِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ دُونَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقُدِّمَ فِي سَائِرِ كُتُبِ الْفِقْهِ الْعِبَادَاتُ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَزَاجِرِ؛ لِكَوْنِهَا أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهَا [9] ( http://majles.alukah.net/#_edn9).

فههنا خمسة أشياء: الاعتقاد، و العبادة، و المعاملات، و المزاجرو الآداب.

فعندنا شيئين: تقسيم الفقهاء، و تقسيم الفلاسفة.

أما الثاني فهي مجملة و موجزة لا يمكن التقاط أصدافها إلا لمن كان له يد طولى في علوم الفلسفة و نظرة كاملة في علوم الكتاب و السنة، ولهذا لا نبحث عنها إلا في أمكنة نحتاج إليها.

أما الأولى أعني تقسيم الفقهاء، فهي مفصل، مبين لا يخفى على أحد من له أدنى إلمام بعلوم الكتاب و السنة، كما رأيتم فيما بيان ابن النجيم المصري رحمه الله آنفاً. فلنبينه مؤجزاً لملال ضيق النطاق.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015