المجادلات و المحاكمات، وقد يبلغ السيل الزُّبى، حتى يصدر من بعضنا مثل ما قد ذكرنا من منشعبات المزاجر. ولهذه الضرورة اتخذ الفقهاء أبوابا ليفصّل فيه جميع ما نحتاج إليه في مثل هذه الحوادث، مثلاً: كتاب الأيمان، الحدود، السرقة، الدعوى، الإقرار، الشهادات، أدب القاضي، وغير ذلك من الغصب و الديات.
و أما الأداب، فهي أيضا تنشعب منه: الأخلاقُ، وَالشِّيَمُ الحسَنَةُ، وَالسِّياساتُ، وَالْمُعَاشَرَاتُ. لأن الإنسان مدني الطبع كما قلنا آنفا، ولا بد له من هذه الكرائم ليبقي المجتمع على هيئة الأمن و السلامة، كما قال تعالى:
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ? [12] ( http://majles.alukah.net/#_edn12).
فلنذكر من تفسير هذه الآية من التفاسير المعتبرة المتداولة، فقال الإمام الطبري:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ?وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ? قال: الشعوب: الأنساب. وقوله: ?لِتَعَارَفُوا? يقول: ليعرف بعضكم بعضا في النسب، يقول تعالى ذكره: إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده، لا لفضيلة لكم في ذلك، وقُربة تقرّبكم إلى الله، بل أكرمكم عند الله أتقاكم [13] ( http://majles.alukah.net/#_edn13).
وقال ابن كثير:
فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضًا، منبها على تساويهم في البشرية: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا? أي: ليحصل التعارف بينهم، كلٌ يرجع إلى قبيلته [14] ( http://majles.alukah.net/#_edn14).
ثم روى حديثا من منتخب عبد بن حميد، فقال:
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا يحيى بن زكريا القطان، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القَصْواء يستلم الأركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: "يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله. إن الله يقول: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ? ثم قال: "أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم" [15] ( http://majles.alukah.net/#_edn15).
وقال النسفي:
ثم بين الخصلة التي يفضل بها الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله فقال:?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم? في الحديث: «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله». وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى [16] ( http://majles.alukah.net/#_edn16).
وقال أبو السعود في الإرشاد:
?يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم? والمعنى أنه تعالى أعلمُ منكم بمراتبكم في الإيمان الذي به تنتظِمُ أحوالُ العبادِ وعليه يدور فلَكُ المصالحِ في المعاش والمعادِ ولا تعلّقَ له بخصوص الحريةِ والرقِّ [17] ( http://majles.alukah.net/#_edn17).
¥