وفي الشمس وضحاها: أهل المدينة (فلا يخاف عقباها) بالفاء، وأهل العراق (ولا يخاف عقباها) بالواو.
باب: وهذه الحروف التي اختلفت فيها مصاحف أهل الشام وأهل العراق، وقد وافقت أهل الحجاز في بعض وفارقت بعضا:
حدثنا هشام بن عمّار، عن أيوب بن تميم، عن يحيى بن الحارث الذماري، عن عبد الله بن عامر اليَحْصَبيّ، قال هشام: وحدثناه سويد بن عبد العزيز أيضا، عن الحسن بن عمران، عن عطية بن قيس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن هذه الحروف في مصاحف الشام، وقد دخل حديث أحدهما في حديث الآخر، وهي ثمان وعشرون حرفا في مصاحف أهل الشام:
- في سورة البقرة: (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) بغير واو.
- وفي سورة آل عمران: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) بغير واو.
- وفيها أيضا: (جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب) كلهن بالباء.
- وفي النساء: (وما فعلوه إلا قليلا منهم) بالنصب.
- وفي المائدة: (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا) بغير واو.
- وفيها أيضا: (يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم) بدالين.
- وفي الأنعام: (ولدار الآخرة خير) بلام واحدة.
- وفيها أيضا: (وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتل أولادَهم شركائهم) بنصب الأولاد وخفض الشركاء، ويتأولونه قتل شركائهم أولادهم.
- وفي الأعراف: (قليلا ما تتذكرون) بتاءين.
- وفيها أيضا: (الحمد لله الذي هدانا لهذا ما كنا لنهتدي) بغير واو.
- وفيها أيضا في قصة صالح: (قال الملأ الذين استكبروا) بغير واو.
- وفيها أيضا في قصة شعيب: (وقال الملأ) بالواو.
- وفيها أيضا: (وإذا أنجاكم من آل فرعون) بغير نون.
- وفي براءة: (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا) بغير واو.
- وفي يونس: (هو الذي ينشركم في البر والبحر) بالنون والشين.
- وفيها: (إن الذين حقت عليهم كلمات ربك) على الجماع.
- وفي بني إسرائيل: (قال سبحان ربي هل كنت) بالألف على الخبر.
- وفي الكهف: (خيرا منهما منقلبا) على اثنين.
- وفي سورة المؤمنين: (سيقولون لله .. لله .. لله) ثلاثتهن بغير ألف.
- وفي الشعراء: (فتوكل على العزيز الرحيم) بالفاء.
- وفي النمل: (إننا لمُخْرَجون) على نونين بغير استفهام.
- وفي المؤمن: (كانوا هم أشد منكم قوة) بالكاف.
- وفيها أيضا: (وأن يُظهر في الأرض الفساد) بغير ألف.
- وفي عسق: (وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم) بغير فاء.
- وفي الرحمن: (والحبَّ ذا العصف والريحان) بالنصب.
- وفيها أيضا: (تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام) بالرفع.
- وفي الحديد: (إن الله الغني الحميد) بغير (هو).
- وفي الشمس وضحاها: (فلا يخاف عقباها) بالفاء.
قد ذكرنا ما خالف فيه مصاحف أهل الحجاز وأهل الشام مصاحف أهل العراق.
فأما العراق نفسها فلم تختلف مصاحفها فيما بينها إلا في خمسة أحرف بين مصاحف الكوفة والبصرة:
كتب الكوفيون:
- في سورة الأنعام: (لئن أنجانا من هذه لنكونَنَّ من الشاكرين) بغير تاء.
- وفي سورة الأنبياء: (قال ربي يعلم القول) بالألف على الخبر.
- وفي سورة المؤمنين: (قل كم لبثتم في الأرض) على الأمر بغير ألف.
- وكذلك التي تليها (قل إن لبثتم إلا قليلا) مثل الأولى.
- وفي الأحقاف: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا).
وكتبها البصريون:
- (لئن أنجيتنا) بالتاء.
- وكتبوا (قل ربي يعلم القول) على الأمر، بغير ألف.
- وكتبوا (قال كم لبثتم في الأرض) بالألف على الخبر.
- وكذلك التي تليها (قال إن لبثتم) مثل الأولى.
- وكتبوا (بوالديه حُسنا) بغير ألف.
هذه الحروف التي اختلفت في مصاحف الأمصار، ليست كتلك الزوائد التي ذكرناها في البابَين الأوّلَين؛ لأن هذه مثبتة بين اللوحين، وهي كلها منسوخة من الإمام الذي كتبه عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ثم بعث إلى كل أفق مما نسخ بمصحف، ومع هذا إنها لم تختلف في كلمة تامة، ولا في شطرها، إنما كان اختلافها في الحرف الواحد من حروف المعَجم كالواو والفاء وما أشبه ذلك، إلا الحرف الذي في الحديد وحده: قوله (فإن الله الغني الحميد)؛ فإن أهل العراق زادوا على ذينك المصرَين (هو)، وأما سائرها فعلى ما أعلمتك ليس لأحد إنكار شيء منها ولا جحده، وهي كلها عندنا كلام الله، والصلاة بها تامة إذ كانت هذه حالها ".
اهـ.
[أبو عبيد القاسم بن سلام (157 - 224 هـ): فضائل القرآن، ص 328 - 333، حققه وشرحه وعلق عليه: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين، دار ابن كثير - دمشق / بيروت].
وفقكم الله وبارك فيكم.