وإلاَّ فجميع الأصحاب في الكتب المختصرة والمطوَّلة ذكروا أنَّ حكم ضحيَّة البقرة والبدنة حكم ضحيَّة الغنم في كل شيء؛ كما ذكروه في آخر كتاب الجنائز، وصرَّح بها في ذلك الموضع صاحب الإقناع تصريحاً لا يحتمل الشك، وكذلك ذكروه في آخر جزاء الصيد.

المقصود - ولله الحمد - ليس في النفس منها شيءٌ؛ فإذا كان عندك ضحيَّة لعدد؛ مثل وصية لوالديك أو نحوهما؛ فجعلتهما شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة فإنها تجزيء، والأفضل من هذه الأمور الأنفع.

وأما صفة اقتسام البقرة والبدنة فهو على العرف الجاري بين الناس؛ حين يشتركون فيها؛ فيقتسمونها، وإن وقع بعض الأعضاء المستقلَّة في نصيب أحد الشركاء، والآخر عضو عضو مستقل أيضاً = فلا بأس.

وإن اقتسموا كل عضو سبع قسم وسبعة أجزاء حصل المقصود)).

? وسئل أيضاً رحمه الله: إذا قلنا بجواز التشريك في سبع البدنة في الأضحية؛ فما الفرق بينه وبين الشاة؟

? فأجاب رحمه الله بقوله: ((لافرق بين بع البدنة وسبع البقرة والشاة؛ لأنَّ الشارع جعل سبعها عن شاة، وجعلها عن سبع شياه.

وقد أثبت الشارع لسب البدنة أنها أضحية بلا شك، والأضحية سواء أكانت من بعير أو بقرة أو كانت شاة فإنه يصحُّ التشريك فيها وهو المذهب بلا شك، وقد ذكره الأصحاب، في مواضع متعدِّدة.

منها: قولهم في جزا ء الصيد: ويجزيء عن سبع شياة بدنة وبقرة؛ كما تجزيء عن البدن والبقرة سبع شياهٍ؛ إلاَّ في جزاء الصيد، على قول مرجوح في المذهب، وإلا فالمذهب: ولو في جزاء الصيد.

فهذه العبارة التي ذكروها في المختصرات والمطوَّلات = ظاهرة جداً؛ أنَّ سبع البدنة عن شاة في كل شيء؛ بلا فرق بين أن تنوي لواحد أو متعدُّد.

وأصرح من هذه العبارة قولهم في آخر الجنائز: وأي قربة من صلاة أو صوم أو حج أو عمرة فعلها وأهدها، أو أهدى بعضها لحيٍّ أو ميت مسلم نفعه ذلك، فقد صرَّحوا كما ترى في قولهم (أهداها أو بعضها)، ومثَّلوا أيضاً بالأضحية؛ كما صرَّح به في الإقناع وغيره.

ومن قال: لا يشرك في ثواب سبع البدنة والبقرة فقد خالف ما ذكروه مخالفة ظاهرة؛ إلاَّ أن يقول: إنها لا تدخل في اسم الأضحية.

ومن المعلوم أنه يخالف للنص، ولكلام الأصحاب؛ فإنهم أثبتوا بلا شك أن سبعها أضحية، فيثبت لها ما يثبت لغيرها.

واعلم أنَّ مستند من أفتى من المتأخرين بعدم إجزاء التشريك فيها قول الأصحاب (وتجزيء البدنة والبقرة عن سبعة)؛ ففهم أنَّ المراد أنه لا يُشرك في سبعها، ولا يشرك بها كلها أزيد من سبعة، وليس هذا مراد الأصحاب؛ لأنهم صرَّحوا بالمسألة كما ترى.

ونحن وغيرنا نسلِّم أنَّ سبع البدنة لا يجزيء إلاَّ عن أضحية واحدة، كما أنَّ الشاة لا تجزيء إلاَّ عن أضحية واحدة.

وأما كون الشاة يجوز إهداء ثوابها لأكثر من واحد، وسبع البدنة لا يجوز؛ فهذا قول بلا علم، وهو مخالف للأدلة، ولكلام الفقهاء، وللحكمة والمناسبة والمناسبة الشرعية.

ولا فرق بين أن يتبرَّع الإنسان بها في حال حياته، أو يوصي بها بعد مماته؛ بأن يقول في وصيته: (قادم في غلة ثلثي ووصيتي).

ولا فرق بين أن يتبرَّع الإنسان بالأضحية في حال حياته؛ بأن يشتري شاةً أو سبع بدنة فينويها عن نفسه ووالديه، متبرعاً بها، أو يتبرَّع بها بعد وفاته؛ بأن يقول في وصيته: (ويجعل فيها أضحية لي ولوالديَّ) مثلاً.

فكل ما يجزيء فيها شاة أو سبع بدنة، وكل ما كان أنفع فهو إلى الله تعالى.

وكما أنه يؤخذ من كلام الأصحاب من المواضع التي ذرنا؛ فإنها أيضاً تؤخذ من كلامهم في موضوع الوصية والوقف، وأنه يرجع في ذلك إلى عُرف الشارع.

فإذا أوصى - مثلاً - بضحية تضحَّى له ولوالديه، ولمن أراد أن يشركه فيها، وأردنا أن ننفذ وصيته رجعنا إلى موضوع الضحية شرعاً.

فإذا وضعها الشارع لأحد أمور ثلاثة أمور: شاة مستقلة أو سبع بدنة أو سبع بقرة؛ فأي واحد من هذه الثلاثة فعله الوصيُّ فقد نفَّذ الوصية، وقد قام بالواجب.

وإنما عددنا المواضع التي تؤخذ هذه المسألة منها من كلام الأصحاب؛ لأنَّ بعض الناس يظنُّ أنَّ هذه الفتوى مخالفة للمذهب، ولم يعلم أنها هي المذهب، وأنَّ ما سواها فتوَهُّمٌ محضٌ، مستنده ما ذكرناه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015