والمراد مما سبق بيان أن صاحب البدعة المعلن بها غير المعذور بل المعذور في بدعته يجوز أن يعاقب وقد ينتقص من حقوق المسلم المطلق، مادام مظهراً للبدعة في دولة السنة، صيانة له وللأمة ودفعاً للمفسدة، بموجَب النصوص، ثم قد يتخلف هذا إذا تخلفت العلة.
وليس بالضرورة أن يكون ذلك خرماً في عدالته، أو تفسيقاً له، بل قد يكون وقد لايكون، وعلى هذا يتفرع حكم الرواية والشهادة –وغيرهما مما يتعلق بالعدالة من الأحكام- ويبدو بعض وجه الصواب في اختلاف الفقهاء والمحدثين العريض حول المسألتين، ولهذا فَرَّقَ من فرق بين الخوارج وغيرهم، ولعل ذلك حكم إجمالي، فالخوارج أصحاب عدالة وصدق، ولايعني ذلك عدم رد رواية بعضهم ممن خرمت عدالته أو ذهب ضبطه، وكذلك العكس فيمن عرفوا بالكذب من أهل البدع كالرافضة فهؤلاء لايمتنع أن يكون في متقدميهم من عرف بالصدق مع العدالة فروى عنه بعض الأئمة، وأياً ما كان فإن مناط الهجر والعقوبة وانتقاص الحقوق ليس هو الضبط ولا العدالة بمجردها، وليس كل من بقيت عدالته ومنع تفسيقه يرتفع عنه العقاب.
وليس تخريج مناط الهجر على استصلاحهم بمستوعِب".
وإذا تقرر هذا بدت مجازفة بعض مشايخنا المعاصرين القائلين مادام المقارف للبدعة مسلماً فله كافة حقوق المسلم! عمرك الله هذا محل الخلاف لايستدل عليه بذكره!
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين} فنساوي بين هؤلاء وهؤلاء؟ كلا ورب الأرض والسماء!
(مالكم كيف تحكمون).
والله تعالى وصف القرآن بأنه فرقان: "ومن الفرقان أنه فرق بين أهل الحق المهتدين المؤمنين المصلحين أهل الحسنات وبين أهل الباطل الكفار الضالين المفسدين أهل السيئات قال تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وقال تعالى أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار وقال تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون وقال تعالى مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون وقال تعالى أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولوا الالباب وقال تعالى وما يستوى الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الاحياء ولا الأموات ان الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور ان أنت الا نذير انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وقال: تعالى أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها وقال تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون فهو سبحانه بين الفرق بين اشخاص أهل الطاعة لله والرسول والمعصية لله والرسول كما بين الفرق بين ما أمر به وبين ما نهى عنه".
==========================
(1) كذا وقع في المطبوع من المجموع لابن قاسم ولعل صوابها أئمة.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[03 - Jul-2007, مساء 12:10]ـ
أما الكفار فقد رأيت من ينتصر لبعض الفضلاء بذكرهم في مجلة مشهورة ولو راجع الشيخ الفاضل وراجعتم كتاب الشيخ بكر أبو زيد في هجر المبتدع لكفاكم فقد تحدث عن هذه الشبهة كما تحدث عنها من هو قبله، فلينظر ما قال هناك ليعلم سقوط الاحتجاج بمثله في معارضة هجر المبتدع.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[03 - Jul-2007, مساء 02:36]ـ
- وليس بفرضٍ عليَّ ولا على أحدٍ تسمية (تحرير) معنى هذه الهجرة الشَّرعية بـ (الأصل) وتركه بـ (الاستثناء)؛ إذ لا داعي لهذا المصطلح لو فُهمت الهجرة الشَّرعيَّة على معناها الشمولي، بل إنَّه لا حاجة لتجزئته بتسميته أصلًا واستثناءًا.
- وأمَّا ما ذكرتَه من أنَّ: "كلمات السَّلف عامّة بلا قيد" في هذا الباب، فلأنَّ الهجر كان في زمانهم ناجعًا إلى حدٍّ كبيرٍ، وخاصَّةً في مناطق نفوذهم كبغداد ونحوها.
بخلاف ما يحصل في زماننا ((في بعض الأماكن)) دون بعض، فلو كانت أحوالنا كأحوالهم لما كان ثَمَّ داعٍ للتَّفصيل الذي أردُّته من مقالي.
...
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[03 - Jul-2007, مساء 04:50]ـ
الشيخ الفاضل الحبيب إلى القلب أبو عمر ..
تقريركم جيد في مجمله، وهذه المسألة إذا تقرر الهجر الشرعي لا إشكال فيها، غير أن ثمرة الخلاف في الأصل بورك فيكم جواب سؤال حاصله: هل يقال للعامي الساذج في دولة التوحيد خالط المبتدعة وجالسهم وعليك أن تصلهم وتكرمهم إلاّ أن يحرر بعض أهل النظر المنع من ذلك بعد النظر في المصالح والمفاسد والترجيح بينها.
أو يقال له تجنبهم إلاّ أن يحرر جواز مخالطتهم بعض أهل النظر.
فالذي يقرأ بعض المقالات التي ظهرت أخيراً يرى دعوة شبه صريحة فيها تغرير بعوام أهل السنة في دولة السنة، فهم يدعونهم للمخالطة ويزعمون أن للمبتدع كافة الحقوق التي هي للمسلم المطلق، إلاّ إن دعت المصلحة إلى الهجر ثم يقررون أن الذي يقرر المصلحة هم العلماء الراسخون، وحاصل هذا خالطوهم وأكرموهم إلاّ أن يفتي أحد أهل العلم بالمنع في كل حالة إذا حرر المصلحة.
وأما المخالف لهم فبنى الرأي على أصول كثيرة بدء من قاعدة سد الذريعة وانتهاء بالنصوص العامة الصريحة، ثم قيد الترك بالمصلحة التي تفهم من عموم الشريعة وتعود على المقاصد الثلاثة التي أشير إليها في الرد الأول بالنقض.
¥