ـ[حارث الهمام]ــــــــ[03 - Jul-2007, مساء 12:03]ـ
ماذكرته أخي الكريم حاصل استدلال ظهر هذه الآونة، وأذاعه بعض المشايخ المعروفين بالفضل والسنة غفر الله له، والحق أنه تقرير ضعيف فيه ما فيه.
فليست للمبتدع أو الفاسق وإن كان مسلماً كافة حقوق المسلم ولا كرامة، ومن نظر في آثار السلف علم هذا وحسبك ما أورده البربهاري في آخر شرح السنة.
وقد دأب أهل العلم المصنفون في التوحيد على إيراد الآثار المقتضية للتحذير من أهل البدع، المتضمنة الأمر بتجنبهم، لغير مصلحة ظاهرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، وفي حديث مسلم: لعن الله من آوى محدثاً، وقوله في حديث مسلم أيضاً: ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، -وفي رواية يهتدون بهدية ويستنون بسنته- ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
وهذه الآثار -وغيرها- أوردها في معرض الاحتجاج بها جملة من الأئمة المصنفين في اعتقاد أهل السنة، والتحذير من البدعة، وبعض من صنف في جمع الآثار ذكر بعضها في كتاب الاعتصام بالسنة.
وكلها في صدد هجر المبتدع لا مجرد بدعته إذ المصلحة في ما دلت عليه النصوص إلاّ أن يبدو خلافها لملابسات تتعلق بما عُلِّق بعضه في الرد السابق.
"بل لو لم يكن حكم البدعة نازلاً بالمتلبس بها، لكنه مقارف لها، داع إليها، فإن عقابه وتعزيره قد يلزم، ومن ذلك القبيل قتال البغاة الخارجين على الإمام بتأول فهؤلاء عدول مادام تأولهم سائغاً، ومع ذلك يقاتلون حتى يعطوا ما تركوه من الواجب، وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وإن كانوا متأولين، بل قد يلزم عقابه ولو لم يكن داعياً إذا أظهر بدعته وإن كان معذوراً ولايخفى أن من لم يظهر من بدعته شيء يستنكر فإنما يعامل بالظاهر، والله يتولى السرائر، أما إن أظهرها فقد يجب تعزيره وإن كان متأولاً لما في الإظهار من المفسدة المستطيرة إن هو تُرِك، ولذا يقام الحد على من شربوا النبيذ المختلف فيه وإن كانوا معذورين لدفع ضرر فعلهم في الدنيا، كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه للإمام، وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه حتى مضى الشهر مع ما أظهرنه من أسف وبكاء، وهجر الثلاثة الذين خلفوا أمداً مع مجيئهم تائبين، ومن بعده الصحابة هجر بعضهم بعضَ بنيه فما كلمه حتى مات لأسباب كان تأول أولئك فيها أو عذرهم لما أحدثوه من توبة ألزم وأجدر من عذر كثير من أصحاب البدع في زماننا، ونحوها كثير من الأخبار المنقولة عن السلف في هذا الباب، وقد قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر فحوى ما سبق وأضرباً له أخرى قال: "وعلى هذا فما أمر به آخر (1) أهل السنة من أن داعية أهلِ البدع يهجر فلا يستشهد، ولا يروى عنه، ولا يستفتى، ولا يصلى خلفه، قد يكون من هذا الباب. فإنَّ هجره تعزيرٌ له وعقوبةٌ له جزاءً، لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرُها، وإن كان في نفس الأمر تائباً أو معذوراً إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين:
إما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها.
وإما عقوبة فاعلها ونكاله ...
ومن هذا الباب هجْر الإمامِ أحمدَ للذين أجابوا في المحنة قبل القيد، ولمن تاب بعد الإجابة، ولمن فعل بدعةٍ ما؛ مع أن فيهم أئمة في الحديث والفقه والتصوف والعبادة، فإن هجره لهم والمسلمين معه لا يمنع معرفة قدر فضلهم، كما أن الثلاثة الذين خلفوا لما أمر النبيُ المسلمين بهجرِهم لم يمنع ذلك ما كان لهم من السوابق، حتى قد قيل: إن اثنين منهما شهدا بدراً، وقد قال الله لأهل بدر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وأحدهم: كعب بن مالك شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد أهل العقبة، فهذا أصل عظيم، إن عقوبة الدينا المشروعة من الهجران إلى القتل لا تمنع أن يكون المعاقب عدلاً أو رجلاً صالحاً كما بينت من الفرق بين عقوبة الدنيا المشروعة والمقدورة، وبين عقوبة الآخرة، والله سبحانه أعلم".
¥