يجاب عنه بوجوهٍ خمسةٍ: 1 – في تقريركم هذا دليلٌ على أنَّ ابن مسعود – رضي الله عنه – لا يرى هو ولا غيره بأساً بمخالفة الإمام إذا رأى أنَّ أمره غير شرعي، وكان هذا على محفلٍ من الناس، ولم يعترض عليه أحدٌ بمخالفته لولي الأمر؛ كما روى ذلك ابن أبي داود في المصاحف (1/ 186) عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعودٍ على المنبر، فقال: " ومن يغلل يأتِ بما غلَّ يوم القيامة " غُلُّوا مصاحفكم ... فلمَّا نزلَ عن المنبر، جلستُ في الحلق، فما أحدٌ ينكر ما قال.

2 – أنكم قررتم في استدلالكم موافقة عثمان – رضي الله عنه – دون نكير على فعله، ثم نقضتم ذلك عندما قُلِبَ عليكم الاستدلال، وهذا تخبط!

3 – أنكم قررتم هنا أن ابن مسعود – رضي الله عنه – أمر بغسل المصاحف لئلا تحرق، والنتيجة المترتبة من الغسل والحرق واحدة، وهي: جمع الناس على حرفٍ واحدٍ، وهذا يدل على موافقة ابن مسعود لعثمان في الجملة.

4 – أنَّ ابن مسعود – رضي الله عنه – جاء ما يدل على رجوعه عن قوله الأول، كما روى ذلك ابن أبي داود في المصاحف.

5 – كل ما سبق على فرض صحة ما جاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه – من مخالفته لأمر عثمان – رضي الله عنه – وإلا فقد ذكر بعض الباحثين أن ما ورد في ذلك ضعيفٌ – كما ذكر ذلك صاحب كتاب (فتنة مقتل عثمان) للغبان (1/ 78) – كيف لا، وابن مسعود هو القائل في إتمام عثمان – رضي الله عنه – للصلاة في منى: الاختلاف شر.

الدليل الثالث: أنَّ إطلاق القول بأنَّ حكم الحاكم لا يرفع الخلاف = يؤدي إلى الفُرْقَة والشقاق بين المسلمين، والافتيات على ولي الأمر؛ فالمصلحة تقضي بأن يكون حكمه رافعاً للخلاف وملزماً للأمة.

ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:

أولاً: الخير كلُّ الخير في اتباع الكتاب والسنة وهدي سلفنا الصالح، ولا عبرة بالمصالح والمفاسد المتوهمة.

ثانياً: أنَّ الناظر إلى الضوابط والشروط المذكورة في ثنايا القول الأول يرى أنَّ الأمر منضبط لا يخشى منه فرقة ولا نزاع.

ثالثاً: أنَّ هذه المصالح والمفاسد المدعاة، مقابلة بمصالح ومفاسد أخرى؛ فالاحتكام عند اختلافها إلى النصوص الشرعية، وهي تؤيد القول الأول.

الدليل الرابع: أنَّ أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – أتمَّ الصلاة في منى، وخالفه جماعةٌ من الصحابة في اجتهاده ذاك، ومع هذا صلَّى خلفه ابن مسعود – رضي الله عنه – درءً لمفسدة الاختلاف على أمير المؤمنين، وقال: الاختلاف شر.

يناقش هذا الاستدلال بما يلي: أنَّ عثمان – رضي الله عنه – لم يلزم الناس باجتهاده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015