ـ[عبد الله المزروع]ــــــــ[21 - Nov-2006, مساء 09:17]ـ
القول الثاني: جواز إلزام الحاكم في الأمور العامة بما ظهر له.
وبين القائلين بهذا القول بعض الاختلاف؛ فلذا ينبغي تحرير محل النزاع بينهم؛
فقد اتفقوا أنَّ غير باب العبادات وما يتعلق بها يدخله الإلزام من ولي الأمر بما تبيَّن له،
واختلفوا في باب العبادات، وأسبابها، وشروطها، وموانعها على قولين:
القول الأول: أنَّ باب العبادات، وأسبابها، وشروطها، وموانعها لا يدخله الحكم البتة؛ إلا إن كان هناك صورة مشاقة للسلطان، وأُبَهة الولاية، وإظهار العناد والمخالفة، فيمتثل أمره = لا لأنه موطن خلافٍ اتصل به حكم حاكم؛ بل درءً للفتنة، واختلاف الكلمة؛ وهذا ما قرره القرافي في القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائتين (2/ 94).
القول الثاني: أنَّ حكم الحاكم ملزم في باب العبادات؛ وهذا ما يظهر من تعليقات ابن الشاط على فروق القرافي، ولعل – ولا أستطيع الجزم بذلك الآن – هذا هو اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – حيث قال في مجموع الفتاوى (19/ 41) في مسألة الرؤية هل تلزم جميع البلاد أم لا؟
أجاب - رحمه الله -: ولكن إذا كان البلد تحت حكمٍ واحدٍ، وأمر حاكم البلاد بالصوم، أو الفطر وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف. اهـ.
أما مسألة حكم الحاكم في غير باب العبادات وما يتعلق بها، فقد ذهب أصحاب هذا القول إلى أنَّ إلزام الحاكم فيها لازم لجميع الناس، واستدلوا على ذلك بما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " الآية [النساء: 59].
وجه الدلالة: أنَّ الله – سبحانه – قد أمر في هذه الآية بطاعة أولي الأمر، وحق طاعتهم خاص بالمعروف وفيما وافق الكتاب والسنة، وأيضاً فيما لم يكن فيهما، ولم يتعارض معهما إذا أمروا به = رعايةً للمصلحة.
ويناقش هذا الاستدلال: أن طاعتهم تكون فيما وضح حكمه، واتفقت عليه الأمة؛ أما ما اشتبه أمره واختلف فيه العلماء فالمرجع في فصل النزاع فيه الكتاب والسنة فقط بدليل قوله تعالى في نفس الآية: " فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول "، فكونها دليلاً للقول الأول أقوى من كونها دليلاً للقول الثاني.
الدليل الثاني: فعل عثمان – رضي الله عنه – حيث جمع الأمة على حرفٍ واحدٍ من الحروف السبعة التي نزل بها القرآن، وقصر الناس على القراءة بها دون غيرها، وأمر بتحريق المصاحف الأخرى التي تخالف المصحف الإمام.
وجه الاستدلال: أنَّ عثمان – رضي الله عنه – لم يقم بهذا إلا بعد علمه بأنه يسوغ للحاكم أن يقصر الأمة على قولٍ أو حرفٍ من أحرف القرآن،
وكذلك لم يُعْلَمْ أنه قد أُنْكِرَ عليه هذا الفعل.
ويناقش هذا الاستدلال: 1 – أن عثمان – رضي الله عنه – ومن وافقه من الصحابة وفقهاء التابعين استندوا إلى مصلحةٍ شهدت لها أصول الشريعة، حيث إنَّ في حفظ القرآن من الاختلاف فيه = حفظاً للدين.
2 – أنَّ عثمان لم يمنع إلا من القراءة من غير مصحفه؛ أما الاحتجاج بما صح من الأحرف فلم يمنع منه.
3 – أن القراءة بالأحرف السبعة كانت على التخيير لا الإلزام في أصل الشرع (1)؛ تيسيراً للقراءة على الناس لاختلاف ألسنتهم، فقصر الناس على حرفٍ منها لمصلحة كبرى ظاهرة مع موافقة أهل العلم والمشورة = ليس مما يُمنع منه الإمام، بخلاف مسألتنا.
4 – أنَّ هذا الفعل لم يكن من قبل ولي الأمر لوحده؛ بل بإجماعٍ من الصحابة، وأنتم تقرون بذلك، ودليله ما رواه مصعب بن سعدٍ حيث قال: أدركت الناس متوافرين حين حَرَّقَ عثمان المصاحف؛ فأعجبهم ذلك، وقال: لم ينكر ذلك منهم أحد.
يُناقش الرد الرابع: أنَّ ابن مسعود – رضي الله عنه – كَرِهَ فعلَ عثمان – رضي الله عنه –؛ بل كان يأمر بأن تُغْسَلَ المصاحف لئلا تحرق.
¥