1 - قال محمد رشيد رضا في مجلة المنار (4/ 368): وأما الاجتهاد في المعاملات والقضاء فهو الاجتهاد الحقيقي الذي يعجز عنه أكثر الناس، ولا يقوم به إلا طائفة تتفرغ للاستعداد للقضاء والفتوى والتعليم، ويُلْزِم الإمام أو السلطان سائر الناس بالعمل باجتهادهم على ما سنبينه تبيينًا، فإن أصاب هؤلاء الحق والعدل فلهم أجران، وإن أخطأوا بعد التحري وبذل الجهد في المعرفة فلهم أجر واحد، ويُعذرون هم ومقلدوهم العاملون بمقتضى اجتهادهم. 2 - وقال – رحمه الله – في فتاوى المنار (14/ 731) عندما سئل السؤال الآتي: ما قولك دام فضلكم في أحكام السياسة والقوانين التي أنشأها سلطان البلد أو نائبه، وأمر وألزم بلده وقضاته بإجرائها وتنفيذها، هل يجوز لهم إطاعته وامتثاله لإطلاق قوله تعالى: [وأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ] (آل عمران: 32) إلخ، أم كيف الحكم؟ أفتونا مأجورين؛ لأن هذا شيء قد عم البلدان والأقطار. الجواب: إذا كانت تلك الأحكام والقوانين عادلة غير مخالفة لكتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجب علينا أن نعمل بها؛ إذا وضعها أولو الأمر منا وهم أهل الحل والعقد، مع مراعاة قواعد المعادلة والترجيح والضروريات،

وإن كانت جائرة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة التي لا خلاف فيها لم تجب الطاعة فيها؛ للإجماع على أنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهذا نص حديث رواه بهذا اللفظ أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري وصححوه. ورواه الشيخان في صحيحيهما وأبو داود والنسائي من حديث علي - كرم الله وجهه – بلفظ: (لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)،

ولا يشترط أن تكون هذه القوانين موافقة لاجتهاد الفقهاء فيما أصلوه أو فرعوه برأيهم؛ لأنهم صرحوا بأن الاجتهاد من الظن، ولا يقوم دليل من الكتاب والسنة ولا من العقل والحكمة على أنه يجب على الناس أن يتبعوا ظن عالم غير معصوم، فلا يخرجوا عنه ولو لمصلحة تطلب أو مفسدة تجتنب، ولا بغير هذا القيد. وكذلك يطاع السلطان فيما يضعه هو أو من يعهد إليه ممن يثق بهم من القوانين التي ليس فيها معصية للخالق، وإن لم يكونوا من أولي الأمر الذين هم أهل الحل والعقد لأجل المصلحة لا عملاً بالآية، ولكن إذا اجتمع أهل الحل والعقد ووضعوا غير ما وضعه السلطان، وجب على السلطان أن ينفذ ما وضعوه دون ما وضعه هو؛ لأنهم هم نواب الأمة، وهم الذين لهم حق انتخاب الخليفة، ولا يكون إمامًا للمسلمين إلا بمبايعتهم، إن خالفهم وجب على الأمة تأييدهم عليه لا تأييده عليهم، وبناء على هذه القاعدة التي لا خلاف فيها عند سلف الأمة؛ لأنها مأخوذة من نصوص القرآن الحكيم، قال الخليفة الأول في خطبته الأولى: (وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني) وله كلام آخر في تأييد هذه القاعدة، وقال الخليفة الثالث على المنبر أيضًا: (أمري لأمركم تبع)، وقال الخليفة الرابع في أول خطبة له، وكانت بعدما علمنا من الأحداث والفتن: (ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء، وأخشى أن تكونوا في فترة)، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38) والفتنة التي قتل فيها عثمان لم تكن بالشورى بين أولي الأمر، بل كانت بدسائس هاجت الرعاع، وأرز (انكمش) فيها مثله وهو إمام أولي الأمر وأعلمهم وأعدلهم إلى كسر بيته. وما قاله بعض الفقهاء خدمة للمستبدين من الأمراء: من وجوب طاعتهم في كل شيء خوفًا من الفتنة؛ مخالف لنص الحديث الصحيح وللإجماع على مضمونه، ولعمل الصدر الأول؛ وهو الذي كان السبب في إضاعة ملك المسلمين وترك العمل بشرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالخضوع للمستبدين الظالمين هو الذي مهد السبيل للخضوع للكافرين، ولأجل هذا كان الحكام المستبدون يضطهدون العلماء المستقلين، ويرفعون رتب المعممين المقلدين، الذين كانوا أعوانهم في كل حين، نعم .. إن مقاومة الأمة لأمراء الجور المتغلبين؛ يجب أن يكون بالحكمة والتدبر؛ واتقاء استشراء الفتن وانتشارها والعمل بقاعدة ارتكاب أخف الضررين. 3 - وقال الأستاذ مصطفى الزرقا – رحمه الله – في المدخل الفقهي العام (1/ 215): والاجتهاد الإسلامي قد أقر لولي الأمر

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015