وقال المزني في أول مختصره: هذا كتاب اختصرته من علم أبي عبد الله الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه، مع إعلامه نهيه عن تقليده، وتقليد غيره من العلماء.

وقال الإمام أحمد: ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه،و لا يشدد عليهم.

وقال: ولا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا.

فإذا كان هذا قولهم في الأمور العملية وفروع الدين، لا يستجيزون إلزام الناس بمذاهبهم، مع استدلالهم عليها بالأدلة الشرعية؛ فكيف بإلزام الناس وإكراههم على أقوال لا تؤثر عن الصحابة والتابعين ولا عن أحدٍ من أئمة المسلمين. اهـ

8 – وقال – رحمه الله – في منهاج السنة (3/ 503) في ردِّه على الروافض الذين يقولون بطاعة أئمتهم المعصومين طاعة مطلقة: الوجه السابع: أن الإمام الذي شهد له بالنجاة:

إما أن يكون هو المطاع في كل شيء - وإن نازعه غيره من المؤمنين -،

أو هو مطاع فيما يأمر به من طاعة الله ورسوله، وفيما يقوله باجتهاده - إذا لم يعلم أن غيره أولى منه - ونحو ذلك؛

فإن كان الإمام هو الأول: فلا إمام لأهل السنة بهذا الاعتبار إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ليس عندهم من يجب أن يطاع في كل شيء إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم يقولون كما قال مجاهد والحاكم (3) ومالك وغيرهم: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

وهم يشهدون لإمامهم أنه خير الخلائق، ويشهدون بأن كل من ائتم به ففعل ما أمر به وترك ما نهى عنه دخل الجنة، وهذه الشهادة بهذا وهذا هم فيها أتم من الرافضة من شهادتهم للعسكريين وأمثالهما بأنه من أطاعهم دخل الجنة = فثبت أن إمام أهل السنة أكمل، وشهادتهم له ولهم إذا أطاعوه أكمل، ولا سواء؛ ولكن قال الله – تعالى -: " آلله خير أما يشركون " [سورة النمل: 59] فعند المقابلة يُذكر فضل الخير المحض على الشر المحض، وإن كان الشر المحض لا خير فيه.

وإن أرادوا بالإمام الإمام المقيد: فذاك لا يوجب أهل السنة طاعته، إن لم يكن ما أمر به موافقا لأمر الإمام المطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم إذا أطاعوه فيما أمر الله بطاعته فيه، فإنما هم مطيعون لله ورسوله، فلا يضرهم توقفهم في الإمام المقيد: هل هو في الجنة أم لا؟ كما لا يضر أتباع المعصوم عندهم إذا أطاعوا نوابه، مع أن نوابه قد يكونون من أهل النار، لاسيما ونواب المعصوم عندهم لا يُعلم أنهم يأمرون بما يأمر به المعصوم، لعدم العلم بما يقوله معصومهم، وأما أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهي معلومة؛ فمن أَمَرَ بها فقد عُلِمَ أنه وافقها، ومن أمر بخلافها علم أنه خالفها، وما خفي منها فاجتهد فيه نائبه، فهذا خير من طاعة نائب لمن تُدَّعى عصمته، ولا أحد يعلم بشيء مما أمر به هذا الغائب المنتظر؛ فضلاً عن العلم بكون نائبه موافقاً أو مخالفاً، فإن ادعوا أن النواب عالمون بأمر من قبله، فعلم علماء الأمة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتم وأكمل من علم هؤلاء بقول من يدعون عصمته، ولو طولب أحدهم بنقل صحيح ثابت بما يقولونه عن علي أو عن غيره، لما وجدوا إلى ذلك سبيلا، وليس لهم من الإسناد والعلم بالرجال الناقلين ما لأهل السنة.

فائدة: لشيخ الإسلام كلام طويل حول هذه المسائل، خاصةً أن أصل بعضها الكلام في حكم القاضي ويدخل في عموم كلامه ولي الأمر، وهي:

1 – في (35/ 357 – 388) من مجموع الفتاوى رسالة بعنوان: فيما جعل الله للحاكم أن يحكم فيه، وما لم يجعل لواحدٍ من المخلوقين الحكم فيه ...

2 – في (27/ 214) من مجموع الفتاوى وذلك في سياق ردِّه على معارضة بعض القضاة على فتوى شيخ الإسلام – رحمه الله – في المنع من السفر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وقد أمروا بحبسه وزجره ومنعه من الإفتاء!

3 – رسالة في أول المجلد الخامس من الفتاوى الكبرى، وهي المطبوعة باسم: التسعينية.

وقد نقلت من هذه الرسائل بعض النتف في هذا البحث، ولطولها تركتُ نقلها كاملة؛ فراجعها – إن شئت –.

9 – وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: " ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله " (4/ 106): أي: لا نتبعه في تحليل شيءٍ أو تحريمه إلا فيما حلله الله – تعالى –، وهو نظير قوله – تعالى –: " اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله " [التوبة 31] معناه: أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم و تحليلهم لما لم يحرمه الله ... وفيه ردٌّ على الروافض الذين يقولون: يجب قبول الإمام دون إبانة مستند شرعي، وأنه يحل ما حرَّمه الله من غير أن يبين مستنداً من الشريعة. اهـ.

ويمكن من خلال استعراض كلام أهل العلم القائلين بعدم جواز إلزام الحاكم الناس بقولٍ من الأقوال إلى أنَّ هذا مشروطٌ بشروطٍ أوضحوها في تضاعيف كلامهم يأتي بيانها في الترجيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015