وكذلك الناس إذا تنازعوا في قوله: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5] فقال: هو استواؤه بنفسه وذاته فوق العرش، ومعنى الاستواء معلوم، ولكن كيفيته مجهولة. وقال قوم: ليس فوق العرش رب، ولا هناك شيء أصلا، ولكن معنى الآية: أنه قدر على العرش، ونحو ذلك. لم يكن حكم الحاكم لصحة أحد القولين وفساد الآخر مما فيه فائدة.
ولو كان كذلك لكان من ينصر القول الآخر يحكم بصحته إذ يقول: وكذلك باب العبادات، مثل كون مس الذكر ينقض أو لا، وكون العصر يستحب تعجيلها أو تأخيرها، والفجر يقنت فيه دائمًا أو لا، أو يقنت عند النوازل ونحو ذلك. اهـ
3 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 239): والذي على السلطان في مسائل النزاع بين الأمة أحد أمرين: إما أن يحملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة؛ لقوله تعالى: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ " [النساء: 95]. وإذا تنازعوا فَهِمَ كلامهم: إن كان ممن يمكنه فهم الحق، فإذا تبين له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه، وأن يقر الناس على ما هم عليه، كما يقرهم على مذاهبهم العملية.
فأما إذا كانت البدعة ظاهرة - تعرف العامة أنها مخالفة للشريعة - كبدعة الخوارج، والروافض والقدرية والجهمية، فهذه على السلطان إنكارها لأن علمها عام، كما عليه الإنكار على من يستحل الفواحش، والخمر، وترك الصلاة، ونحو ذلك.
4 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 240): وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها، فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواءً، وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم.
نعم الولاية قد تمكنه من قول حق ونشر علم قد كان يعجز عنه بدونها، وباب القدرة والعجز غير باب الاستحقاق وعدمه، نعم للحاكم إثبات ما قاله زيد أو عمرو ثم بعد ذلك إن كان ذلك القول مختصا به كان مما يحكم فيه الحكام؛ وإن كان من الأقوال العامة كان من باب مذاهب الناس، فأما كون هذا القول ثابت عند زيد ببينة أو إقرار أو خط فهذا يتعلق بالحكام.
5 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 245): ومما يجب أن يعلم: أن الذي يريد أن ينكر على الناس ليس له أن ينكر إلا بحجة وبيان؛ إذ ليس لأحد أن يلزم أحداً بشيء، ولا يحظر على أحد شيئًا بلا حجةٍ خاصةٍ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبلغ عن الله الذي أوجب على الخلق طاعته فيما أدركته عقولهم وما لم تدركه، وخبره مصدق فيما علمناه وما لم نعلمه، وأما غيره إذا قال: هذا صواب أو خطأ، فإن لم يبين ذلك بما يجب به اتباعه، فأول درجات الإنكار أن يكون المنكر عالما بما ينكره، وما يقدر الناس عليه فليس لأحد من خلق الله كائنًا من كان أن يبطل قولا أو يحرم فعلا إلا بسلطان الحجة وإلا كان ممن قال الله فيه: " الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ " [غافر: 56]، وقال فيه: " الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ " [غافر: 35].
6 – وقال – رحمه الله – في المجموع (30/ 79): وسئل رحمه الله عمن ولي أمرا من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز [شركة الأبدان] فهل يجوز له منع الناس؟.
فأجاب: ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ما هو في معنى ذلك؛ لاسيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار.
¥