وفي صحيح مسلم عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسنُ وضوءها وخشوعها وركوعها وسجودها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله.
فانظر إلى كم تُيَسر لك أسباب تكفير الخطايا لعلك تطهر منها قبل الموت فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام، وأنت تأبى إلا أن تموت على خبث الذنوب فتحتاج إلى تطهيرها في كير جهنم. يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟! فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غداً فطهر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا في يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنُونَ, إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليم
والقلب السليم الذي ليس فيه غير محبة الله عزوجل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، اذن فليسكل عبد يصلح لمجاورة الله تعالى غداً، ولا كل عبد يصلح لمناجاة الله اليوم.
الحافز الثالث المكفر للذنوب: الجلوس في المساجد بعد الصلوات
والمراد بهذا الجلوس انتظار صلاة أخرى كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط. فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة المرابط في سبيل الله عز وجل.
وفي المسند وسنن ابن ماجة رحمه الله من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, قال: صليت مع رسول الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً قد حَفَزه النفَس، وقد حسر عن ركبته فقال: أبشروا! هذا ربكم قد فتح عليكم باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى.
وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ، تُصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر.
ويدخل في قوله: والجلوس في المساجد بعد الصلوات: الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك, لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيهٌ بمن جلس ينتظر صلاة أخرى، لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.
وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصةً فهو في صلاة حتى يصلي، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخّر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم: قال لهم: إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة.
وفيهما أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الملائكة تصلي عل أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة. وفي رواية لمسلم: ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه (أي حديث السان ونحوه)
وفي المسند عن عقبة بن عامر رضي الله عنه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: القاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويُكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه". وفي رواية أخرى: فإذا صلى في المسجد ثم قعد فيه كان كالصائم القانت حتى يرجع.
وبالجملة فالجلوس في المسجد للطاعات له فضل عظيم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يوطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله عز وجل كما يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم.
وروى دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: من ألف المسجد ألفه الله.
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: من جلس في المسجد فإنما يجالس الله عز وجل.
¥