وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عدّ من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلّق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود.
وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأن فيه مجاهدة للنفس، وكفّاً لها عن أهوائها فإنها لا تميل إلا إلى الإنتشار في الأرض لابتغاء الكسب أو لمجالسة الناس ومحادثتهم أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النّزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد
وهذا الجنس أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلاً عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله عز وجل؟! فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها.
ولهذا المعنى كان المشي إلى المساجد كفارة للذنوب أيضاً، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله أيضاً، لما رواه الامام الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الغدوّ والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله عز وجل.
كان زياد مولى ابن عباس رضي الله عنهم أحد العباد الصالحين، وكان يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي؟! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان!.
لما كانت المساجد في الأرض بيوت الله أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها، وتعلقت قلوب المحبين لله عز وجل بها، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لإظهار ذكره فيها كما في قوله تعالى في سورة النور 36
في بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ تُرفَع ويُذْكَرَ فيها اسمُهُ يُسبِّحُ لهُ فيها بالغُدُوِّ والأَصَالِ* رجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ الله وإقامِ الصلاة وإيتآءِ الزكاة يخافونَ يوماً تتقلّبُ فيه القلوبُ والأبْصارُ
ويقوله تعالى ناتي على مسك ختام الجزء الاول على امل اللقاء مع الجزء الثاني من الحديث وسيكون بمشيئة الله تحت عنوان- الدرجات