وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء. فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.

وكلما شق المشي إلى المسجد كان أفضل، ولهذا فُضل المشي إلى صلاة العشاء وصلاة الصبح، وعُدل بقيام الليل كله , كما في صحيح مسلم من عثمان رضي الله عنه, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم, قال: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.

وفي الصحيحين من أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً.

وإنما ثقلت هاتان الصلاتان على المنافقين لأن المنافق لا ينشط للصلاة إلا إذا رآه الناس كقوله تعالى:

وإذا قامُوآ إلى الصلاةِ قاموا كُسالى يُرآءون الناسَ ولا يذكُرُونَ الله إلا قليلاً

وصلاة العشاء والصبح يقعان في ظلمةٍ، فلا ينشط للمشي إليهما إلا كل مخلص يكتفي برؤية الله عز وجل وحده لعلمه به.

وثواب المشي إلى الصلاة في الظُّلَم: النور التام في ظلم يوم القيامة, كما في سنن أبي داود والترمذي رحمهما الله من حديث بُريدة رضي الله عنه, وابن ماجة رحمهما الله من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه من حديث بُريدة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم , انه قال: بَشِّر المشَّائينَ في الظُّلَم إلى المساجدِ بالنُّورِ التّام يومَ القيامة.

وكما أن مواضع السجود عن عصاة الموحدين في النار لا تأكلها النار، فكذلك الأقدام التي تمشي إلى المساجد في الظلم لا تقيد في النار، ولا يسوي في العذاب بين من خدمه وبين من لم يخدمه وإن عذبه.

ولما كانت الصلاة صلة بين العبد وربه، ومناجاة تظهر فيها آثار تجليه لقلوب العارفين وقربه، شرع قبل الدخول فيها الطهارة، فإنه لا يصلح للوقوف بين يدي الله عز وجل والخلوة بمناجاته إلا طاهر، فأما المتلوث بالأوساخ الظاهرة والباطنة فلا يصلح للقرب، فشرع الله عز وجل للمصلي غسل أعضائه بالماء، ورتب عليها طهارة الذنوب وتكفيرها، حتى يجتمع لمن يريد المناجاة طهارة ظاهره وباطنه، ثم شرع المشي إلى المساجد، وفيه أيضاً تكفير الخطايا حتى تكمل طهارة الذنوب إن بقي منها شيء بعد الوضوء، حتى لا يقف العبد في مقام المناجاة إلا بعد كمال طهارة ظاهره وباطنه من درن الأوساخ والذنوب، ولهذا شرع له تجديد التوبة والاستغفار عقيب كل وضوء حتى تكمل طهارة ذنوبه , كما روى النسائي رحمه الله من حديث أبي سعيد الخدري رحمه الله مرفوعاً وموقوفاً: من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال عند فراغه من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك, خُتم عليها بخاتم، فوُضعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة.

ومتى اجتهد العبد على تكميل طهارته ومشيه إلى المسجد ولم يقوَ ذلك على تكفير ذنوبه فإن الصلاة يكمل بها التكفير، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟. قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا.

واعلم أن جمهور العلماء ذهب على أن هذه الأسباب كلها إنما تكفر الصغائر دون الكبائر، ذلك ان الكبائر لا يكفرها الا التوبة النصوح, وشروطها ثلاثة ان تعلقت بحق الله عزوجل, وأربعة شروط ان تعلقت بحق العباد, ويُدلّ على أن الكبائر لا تكفر بذلك قوله تبارك وتعالى في سورة النساء: ان تجتنبون ما تُنهوْن عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما

وايضا ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتُنِبَت الكبائر.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015