وفي صحيح مسلم رحمه الله من عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله"، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه, انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.

وعنه رضي الله عنه أيضا, انّ النبي صلى الله عليه وسلم, قال: أنتم الغرّ المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء.

وفي صحيح الامام البخاري رحمه الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال

إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجّلين من آثار الوضوء

واعلم أن حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه في حديث المنام , إنما فيه ذكر إسباغ الوضوء على الكريهات، وأيضا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فها هنا أمران: أحدهما: إسباغ الوضوء= إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية. كالثوب السابغ المُغطي للبدن كله.

وفي مسند الزّار رحمه الله عن عثمان رضي الله عنه مرفوعاً الى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: " من توضأ فأسبغ الوضوء غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وروى كل من النسائي وابن ماجة رحمهما الله من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان- أي نصف الايمان. وفي رواية للامام مسلم, انّ: الطهور شطر الإيمان.

وأن يكون إسباغه على الكريهات، والمراد أن يكون على حالةٍ تكره النفس فيها الوضوء، وقد فسر بحال نزول المصائب فإن النفس حينئذ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان كما قال عز وجل في سورة البقرة: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين

وفي موضع آخر قال تعالى: يا أيُّها الذين آمنوا استعينوا بالصبرِ والصلاةِ إن الله مع الصابرين

والوضوء مفتاح الصلاة، وقد يطفأ به حرارة القلب الناشئة عن ألم المصائب، كما يؤمر من غضب بإطفاء غضبه بالوضوء.

وفسرت الكريهات بالبرد الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ: ... إسباغ الوضوء على السبرات، والسبرة: شدة البرد.

ولا ريب أنّ إسباغ الوضوء في شدة البرد يشق على النفس وتتألم به، وكما هو معلوم بأنّ كل ما يؤلم النفس ويشق عليها فهو كفارة للذنوب , وحتى وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبب , كالمرض وكما دلت النصوص الكثيرة على ذلك.

وأما إن كان ناشئاً عن فعل هو طاعة لله عزوجل فإنه يُكتب لصاحبه به أجر، وترفع به درجاته كالألم الحاصل للمجاهد في سبيل الله تعالى، قال الله عز وجل: ذلك بأنَّهم لا يُصيبُهُم ظَمأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سبيل الله ولا يَطئُون مَوطِئاً يَغيظُ الكُفّارَ ولا يَنالون من عدوٍّ نَيلاً إلا كُتِبَ لهم به عملٌ صالحٌ إنَّ الله لا يُضِيعُ أجرَ المحسنين.

وكذلك ألم الجوع والعطش الذي يحصل للصائم، فكذا التألم بإسباغ الوضوء في البرد. ويجب الصبر على الألم بذلك، فإن حصل به رضىً فذلك مقام خواص العارفين المحبين، وينشأ الرضى بذلك عن ملاحظة أمور اربعة:

أحدهما: تذكر فضل الوضوء من حطّه الخطايا، ورفعه للدرجات وحصول الغرّة والتحجيل به، وبلوغ الحلية في الجنة إلى حيث يبلغ، وهذا كما انكسر ظفر بعض الصالحات من عثرةٍ عثرتها فضحكت وقالت: أنساني حلاوة ثوابه مرارة وجعه. وقال بعض العارفين: من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال.

وثانيهما: تذكر ما أعده الله عز وجل لمن عصاه بالبرد والزمهرير، فإن شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم، وفي الحديث الصحيح: إن أشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم.

فملاحظة هذا الألم الموعود يهوّن الإحساس بألم برد الماء كما روي عن زُبيد اليامي رحمه الله أنه قام ليلة للتهجد، وكان البرد شديداً، فلما أدخل يده في الإناء وجد شدة برده فتذكر زمهرير جهنم , فلم يشعر ببرد الماء بعد ذلك، وبقيت يده في الماء حتى أصبح، فقالت له جاريته: مالك لم تصل الليلة كما كنت تصلي؟!. فقال: إن لما وجدت شدة برد الماء ذكرت زمهرير جهنم فما شعرت به حتى أصبحت، فلا تخبري بهذا أحداً ما دمت حياً

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015