وثالثهما: ملاحظة جلال مَنْ أمر بالوضوء، ومطالعة عظمته وكبريائه، وتذكر التهيؤ للقيام بين يديه ومناجاته في الصلاة فذلك يهون كل ألم ينال العبد في طلب مرضاته من برد الماء وغيره، وربما لم يشعر بالماء بالكلية كما قال بعض العارفين: بالمعرفة هانت على العاملين العبادة.
قال سعيد بن عامر رضي الله عنه: بلغني إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كان إذا توضأ سُمع لعظامه قعقعة. وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ اصفرّ، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟!. فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم له؟.
وكان منصور بن زاذان رحمه الله إذا فرغ من وضوئه يبكي حتى يرتفع صوته، فقيل له: ما شأنك؟! فقال: وأي شيء أعظم من شأني، إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم، فلعله يرضى عني.
وكان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه ارتعد وانتفض وبكى بكاءً شديداً، فقيل له في ذلك، فقال: إني أريد أن أتقدم إلى أمر عظيم: إني أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل.
ورابعهما: استحضار اطلاع الله عز وجل على عبده في حال العمل له، وتحمل المشاق لأجله، فمن تيقنّ أن البلاء بعين من يحبه هان عليه الألم كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: واصبر لحكم ربك فانك باعيننا
وكقوله تعالى لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: لا تخافا اني معكما أسمع وأرى
وكقوله صلى الله عليه وسلم في الاحسان: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.
وقال أبو سليمان رحمه الله: قرأت في بعض الكتب: يقول الله عز وجل: بعيني ما تحمل المتحملون من أجلي وكابد المتكبدون في طلب مرضاتي، فكيف بهم وقد صاروا في جواري، وتبحبحوا في رياض خُلدي؟ فهنالك فليبشر المصفُّون لله أعمالهم بالمنظر العجيب من الحبيب القريب، أترون أني أضيع لهم عملاً؟ فكيف وأنا أجود على المولين عني، فكيف بالمُقبلين عليّ؟
فإسباغ الوضوء في البرد لا سيما في الليل يطّلع الله عليه، ويرضى به، ويباهي به الملائكة عليهم السلام، فاستحضار ذلك يهون ألم برد الماء، وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عقبة بن عامر رضي الله عنه, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقد فيتوضأ، فإذا وضّأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلّت عقدة، وإذا مسح برأسه انحلّت عقدة، وإذا وضّأ رجليه انحلّت عُقدة، فيقول الرب عز وجل للذي وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه يسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له.
وروى عطية رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر: رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهوروعليه عُقد فيتوضأ، فإذا وضّأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلّت عقدة، وإذا مسح برأسه انحلّت عقدة، وإذا وضّأ رجليه انحلّت عُقدة، فيقول الرب عز وجل للذي وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه يسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له.
انّ اسباغ الوضوء على المكاره يعتبرعلامة متميزة من علامات المحبين , كما في كتاب الزهد للإمام أحمد عن عطاء بن يسار رحمه الله, قال: قال موسى عليه السلام: يارب! من أهلك الذين هم أهلك، الذين تُظلهم في ظلّ عرشك!. فقال عزوجل: هم البرية أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذُكرت ذُكروا بي، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى أوكارها، ويكْلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حُرِب.
الحافز الثاني المكفر للذنوب - المشي الى المساجد
¥