فليس الأمر أننا نخطئ إماماً من الأئمة، أو أنه ليس لنا حق التوضيح والبيان، أو أننا نقلل من احترامهم وتقديرهم ومكانتهم بهذا!
فالقضية كلها أنك وفقك الله حملت سكوته في النقل الأول على أنه يريد كونه مرفوعاً وجزمت بذلك جزماً صارما .. بينما كلام الإمام نفسه المسطر؛ وطريقته في كتابه التي عهدناه منه يفيدان أنه أوقفه على سعدٍ من طريق علي بن هاشم.
وهذا الذي جعلني لا أرى أن هناك أمراً غامضاً، أو إشكالاً يحتاج بحثاً عن حلٍ له عندما ذكرتَ أنت وفقك الله تعقيبك الأخير في محاولة الجمع بين القولين.
فحكم الإمام واحدٌ لا يختلف في تصويب الحديث من الوجه الموقوف لا غير.
ولعلي فهمت قصدك ومرادك أخي العزيز من محاولة الجمع بين النقلين؛ وهو:
أنه في النقل الأول _ متجاوزاً لك أنه أراد المرفوع _ يبين صواب الرواية من طريق الأعمش؛ وأنها من طريق علي بن هاشم عنه = الصواب .. بخلاف سابقتها التي من رواية أبي أمامة رضي الله عن الجميع.
بينما في النقل الثاني بين صواب أوجه وطرق الحديث المسئول عنه على وجه العموم بطريقة التتبع والاستقراء. (أليس كذلك)؟
على أني أرى أن هذا لا يصح؛ لأن رواية الأعمش المنقطعة عن أبي أمامة ليس فيها خطأ؛ قد جودت، ووكيع رحمه الله يروي الوجهين.
وأيضاً: كونه لم يسبق طريق علي بن هشام في النقل الأول أي كلامٍ عن الحديث من رواية سعدٍ رضي الله عنه، ولا عقبه كذلك؛ فالحكم في هذا راجعٌ إلى منهج الإمام في كتابه .. ومن جهتي قد أخبرت بذلك.
على أني قد أجد لك وجهاً _ وإن كان ضعيفاً جداً عندي لتغاير الأوجه، بل ولتغاير طرق الوجه الواحد أيضا _ لحكمك على سكوته بإرادة الرفع؛ وهو كونه سبقه برواية أبي أمامة المرفوعة .. فذكر اختلاف الأعمش في ذلك.
وإن كنت أرى كما ذكرت سابقاً أن في النقل كله اضطراب وتداخل؛ أخشى أنه عيب نسخٍ أو نحو ذلك.
وبالمناسبة أبا عبد الإله .. الإسهاب في توضيح أمرٍ يحتاج إلى هذا الفعل = لا يسمى تطويلاً.
بارك الله فيك وسهل أمرك بحوله وقوته.
ـ[ابو عبد الاله المسعودي]ــــــــ[16 - عز وجلec-2010, مساء 08:45]ـ
وقد تميز رحمه الله بالدقة الملاحظة لمن تدبر كتابه هذا؛ فإنه عندما يقول عن فلان ويقف عنده ويسكت؛ فإن كان الحديث المسئول عنه مرفوعاً فإنه _ أي: السكوت _ يعود إليه، وإن كان عقب بيان وجهٍ آخر موقوف فهو _ أي: السكوت _ عائدٌ إليه، فهو بحسب الوجه قبله والمخالفة فيه .. وهذا كثير غالبٌ واضح في كتابه.
وهذا ما أردتُه بعينه عندما قلتُ لك أولَ ما قلتُ:
هو سُئل عن حديث أبي أمامة المرفوع، فذكر له إسنادان؛
الأول: عن الأعمش حُدّثتُ عن أبي أمامة.
والثّاني: عن الأعمش عن أبي إسحاق عن مصعب عن سعد.
ثم صوّب الحديث بالإسناد الثاني، يعني عن سعد.
فليس في كلامه ما يفيد أن الإسناد الثاني موقوف عن سعد. بل الذي يتبادر إلى الذهن أنه مرفوع مثله مثل حديث أبي أمامة المسؤول عنه.
وليس انتهاء كلامه بسعد، دون ذكر النبي (ص) ما يفيد أنه يعني: "عن سعد من قوله" .. فكثيرا ما يفعلُ ذلك في كتابه لا يذكر النبي (ص) بعد الصحابي اختصارا، ولأن في سياق كلامه ما يدلّ على حذفه .. ألا ترى أنه توقف عند أبي أمامة، و لم يذكر النبي (ص).
فانظر بارك الله فيك إلى قولك: {فإنْ كان الحديث المسئول عنه مرفوعاً .. }.
وقولي أنا: {سُئل عن حديثِ أبي أمامة المرفوع .. }
فما ذكرتَه هنا -بارك الله فيك- عن منهج هذا الامام صحيحٌ وهو حجة عليكَ-غفر الله لك-؛ لأن الحديث المسؤول عنه هنا جاء مرفوعاً، فلما ذكر الاختلاف عن الأعمش فيه: سَكَتَ في الوجهين معا عند منتهى السندين، ولم يزد فيهما:"عن النبي (ص) "؛ فعلمنا أن حذفَه لتلك اللفظة الشريفة كان اختصاراً منه .. و سكوتَه عن ذكر صيغة الرفع الصريحة يغني عنها مجيء الحديث مرفوعا في أول المسألة .. فكلامه كان عن الحديث المرفوع المسؤول عنه في أول المسألة .. لم يتعرض في جوابه إلى الاختلاف في وقفه ورفعه.
و أنت -بارك الله فيك- لو لم تقرأْ كلامَه الثاني- لما سُئل عن حديث سعد- لما تَرَدَدْتَ لحظةً أن قوله " ... عن سعد" = " عن سعد عن النبي (ص) ".
فكيفَ وقد جاء في كلامه الثاني ما يؤكده و يوضحه، و يبينه، صراحةً، بكلامٍ ظاهرٍ كالشمس!! وهو ذكره روايةَ علي بن هاشمٍ مرفوعةً إلى النبي (ص).
¥