فإذا فرغنا من هاتين المقدمتين؛ أتينا الآن لتوضيح الكلام، وتجلية الأمر والمراد؛ فأقول:
- لا أعرف في سندٍ من الأسانيد التي وقفت عليها أن علي بن هاشم يروي الحديث من طريق أبي أمامة رضي الله عنه إطلاقاً.
وغياب هذا الأمر عنك وقت كتابتك للتعليق هو الذي جعلك تقول: (هو سُئل عن حديث أبي أمامة المرفوع، فذكر له إسنادان).
فكيف يكون لحديث أبي أمامة إسنادان؟!! هذا لم أقف عليه البتة.
فأوقفتني أنت غفر الله لي ولك عليه؛ فقلت:
(الأول: عن الأعمش حُدّثتُ عن أبي أمامة.
والثّاني: عن الأعمش عن أبي إسحاق عن مصعب عن سعد).
فهل الثاني وفقك الله يعد إسناداً لحديث أبي أمامة؟!! فهذا أول الخطأ الذي أدى إلى عدم الاستيعاب لكلامي؛ مجتمعاً معه غيرتك على الإمام الدار قطني .. ولعله اشتبه عليك وجود الأعمش في الاسنادين؛ إسناد حديث أبي أمامة، وسند بعض طرق حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عن الجميع.
ولا عليك فهذه كما أسلفت لك من ملح العلم وطرائفه التي يستفيد منها الناس .. وسيأتي مزيد بيان بعد.
- كلام الإمام رحمه الله في التصويب لم يتغير لا في النقل الأول ولا الثاني؛ فهو يرى صواب الوجه الموقوف عن سعدٍ رضي الله عنه بلا نقاش.
لكن الخلل وفقك الله _ والذي جعلتني متشجعاً في تعقبي وتبيني له في مقابلٍ إمام من الأئمة _ أنه رحمه الله جعل صواب الوقف في النقل الأول من جهة طريقٍ لم يرد فيما وقفت عليه واجتهدت في ذلك أنه روي من طريق راويه بالوقف؛ وهو طريق (علي بن هاشم).
فقال بالحرف في النقل الأول: (ورَواه علي بن هاشم بن البريد، عن الأَعمش، عَن أَبي إِسحاق، عن مُصعب بن سعد، عن سعد، وهو الصواب).
وسأوقفك على مراده رحمه الله من هذا النقل الأول حتى يتبين لك الأمر .. مراده أن يوقفك على أنه اختلف فيه عن الأعمش: فمرة رواه عن أبي أمامة، ومرة عن سعدٍ رضي الله عن الجميع .. لكنه بعد أن بين المخالفة بذكر الطريق الآخر الذي يرويه علي بن هاشم عن الأعمش؛ أعقبه بأنه هو الصواب بناءً على أنه موقوفٌ من قول سعد .. وهذا الذي لم أجده ولم أقف عليه من طريق علي بن هاشم كما أسلفت.
وهذا الذي جعلك أيها المحب تقول: بأن هذا من صنيع الإمام في أنه لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من الأحيان!! وهذا غير صحيح.
فلذلك أشترت لك في أول كلامي هذا: أن الإمام يرى صواب الوقف بلا نزاعٍ من قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .. فيحمل تصويب النقل الأول على تصويب النقل الثاني، ولا يعصم من الخطأ غير الأنبياء والرسل.
ولو نظرت بتمعنٍ إلى أول النقل الثاني لوجدت صحة كلامي وصدقه؛ حيث قال رحمه الله فيه:
(هُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[رواه] دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ.
وَخَالَفَهُ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ؛ فَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ أَبَا إِسْحَاق).
فهل رأيت كيف جعل هنا رواية علي بن هاشم عن الأعمش مرفوعة؟!! فكيف يصوب هناك نفس الطريق، ويخطئه هنا؟!!
فليس في الأمر شجاعة ولا غيرها أبا عبد الإله؛ إنما هو وهمٌ حاصلٌ بيناه! ولم ننسبه للتناقض كما وصفتنا به غفر الله لك؛ وذلك أدباً مع الإمام .. ذكر أولاً من رفعه؛ ثم أعقب ذلك بمن خالف ووقفه!! فقط.
إنما أنت فهمت وتبادر إلى ذهنك أنه ليس في كلام الإمام ما يفيد أن الإسناد الثاني في النقل الأول موقوف، وغيرك فهم خلاف هذا بما يتوافق وقواعد العلم ومناهج المؤلفين ومقاصدهم.
وهذا الفهم الذي تبادر إلى ذهنك هو الذي جعلك تقول عن طريق الأعمش في النقل الثاني أنه موقوف!! عندما قلت: (قال-كما نقلتَ ": هُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[رواه] دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ".
ثم بعد أن ذكر اختلاف رواياته قال: "وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَاب".
فأنت ترى هنا -بارك الله فيك- أنه جعلها مرفوعة، فأين ما تعقبته في الأول من أنه جعلها موقوفة!!).
فانظر كيف جعلت أنت وفقك الله رواية الأعمش هنا موقوفةً على أنه أوضح رحمه الله بكلامٍ كالشمس أنها مرفوعة!! فهو عندما علق الحديث من رواية الأعمش المرفوعة في أول الكلام هنا؛ أعقبه بسنده الذي روي إليه من الوجه المذكور فقط .. هذا ما في الأمر وفقك الله.
وهذا كله هو الذي جعلك أيدك الله تتعقب كلامي بما سطرته أنت رحمك الله في المشاركة.
وعلى هذا الكلام السابق كله أيها المحب؛ لن يكون لقولك هذا وإلغازك: (فإن قيلْ: كيف رجح هناك رواية هاشم المرفوعة .. و رجّح هنا رواية من أوقفه، على رواية من رفعه -وفيهم علي بن هاشم-؟؟
أقول: لنكتةٍ لطيفة .. لعل شيخنا التّميمي-حفظه الله- ينقدحُ بها زندُه، فأفرح إن وافقته عليها) أي فائدة أو اعتبار لأنه بني على فهمٍ خاطئ.
ويعلم الله وحده أني أحبك في الله ولله .. فلا تبتئس فهذه هي المدارسة المنشودة المرجوة .. وتحت أمرك في أي وقت إن شاء الله.
¥