وما أجمل وصية خالد بن يحيى بن برمك لابنه، عندما قال له: (يا بني، خذ من كل علم بحظ، فإنك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئاً من العلم عاديته، وعزيز علي أن تعادي شيئاً من العلم) ([4] ( http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وأريد ان أنبه نفسي و إياكم بأمر مهم و هي ان لا يكون العلم عموما عبارة عن معلومات مبتورة من روح الأعمال و الاستقامة على أمر الله قال سفيان الثوري: (العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل) ([5] ( http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
اغتنام الأوقات المناسبة في اليوم للحفظ والمذاكرة وهذا أمر يختلف فيه الأشخاص، باختلاف أحوالهم وظروف طلبهم للمعاش وغير ذلك. غير أن الذي يذكره أهل التجربة، هو أن أفضل الأوقات للحفظ و المطالعة: الليل عموماً، والفجر، ويخصون من الليل آخره وهو وقت السحر، بشرط أن يكون طالب العلم قد نام من أول الليل، وأخذ حاجته من النوم.
ومن جميل الوصايا في ذلك، ما ذكر من أن المنذر قال للنعمان ابنه "يا بني، أحب لك النظر في الأدب بالليل، فإن القلب بالنهار طائر، وبالليل ساكن، وكلما أوعيت فيه شيئاً علقه" ([6] ( http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
فتعقب الخطيب البغدادي هذه الوصية بقوله "إنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا لما قيل لحماد بن زيد: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم. (قال الخطيب (وليس تكون قلة الغم إلا مع خلو السر وفراغ القلب، والليل أقرب الأوقات إلى ذلك" ([7] ( http://majles.alukah.net/#_ftn7)) .
وقال إسماعيل بن أبي أويس: "إذا هممت أن تحفظ شيئاً، فنم، ثم قم عند السحر، فأسرج، وانظر فيه، فإنك لا تنساه – بعد إن شاء الله") [8] ( http://majles.alukah.net/#_ftn8)( .
وانظروا يرحمكم الله الى ماذكره علي بن المديني حيث قال: ستة كادت تذهب عقولهم عند المذاكرة: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، و وكيع، وابن عيينة، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق؛ من شدة شهوتهم له. وتذاكر وكيع وعبد الرحمن ليلة في المسجد الحرام، فلم يزالا حتى أذن المؤذن أذان الصبح " ([9] ( http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
ومن فوائد المذاكرة أيضاً ومن آدابها: إفادة طلبة العلم بعضهم بعضا، وفي ذلك استعجال لأجر وثواب التعليم، قبل بلوغ الدرجة التي يحق فيها لطالب العلم جلوس مجالس المعلمين. وما أدرى طالب العلم؟ لعله يموت قبل أن يصل إلى أن تتحلق حوله الطلبة!!.
يقول عبدالله بن المبارك: "إن أول منفعة الحديث: أن يفيد بعضكم بعضاً" ([10] ( http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
ويقول الإمام مالك: "بركة الحديث: إفادة بعضهم بعضاً" ([11] ( http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
و من الفوائد يقول الأستاذ حمزة المليباري حفظه الله تعالى: وعلى كل فإن الطالب المبتدئ ينبغي أن يكون همه عند دراسة أي كتاب ابتداء هو التمهيد، أكثر من هدف التحصيل والمعرفة المباشرة. ولذا فإنه ينبغي أن يختار أولا كتابا مختصرا وبذلك يتحقق غرضه، ألا وهو تمهيده إلى التحصيل وإعداده للمعرفة، وتهيئته للتفكير. وكلما يكون الكتاب الذي يبتدئ به أسهل وأوجز يكون أفضل.
ومن المعلوم أن جميع الكتب في علوم الحديث تدور حول فلك واحد، وأي كتاب قرأته وجدت فيه التعريفات والأساليب نفسها عموما. ولا يفوتك شيء من الأساسيات والمصطلحات والتعريفات باختيارك هذا دون ذاك.
ولذلك لا أريد أن أعين لك كتابا دون آخر. والغرض الذي نريد تحقيقه في مرحلة الابتداء هو التمهيد إلى التحصيل العلمي، وليس التحصيل العلمي مباشرة.
وبعد ذلك يخطو الطالب خطوة خطوة نحو التحصيل العلمي، وذلك من خلال مقارنة بين أكثر من كتاب ثم يقوم بعرض ما فهمه من ذلك على الكتب التي تشكل تطبيقا عمليا لنقاد الحديث. وينبغي أن يكون ذلك على سبيل التدرج ([12] ( http://majles.alukah.net/#_ftn12))
هذه هي أهم وسائل حفظ العلم و الانتفاع منه، وأظهر أسباب تثبيته وعدم نسيانه و الله اعلم.
شرف الحديث و أهله
¥