أفلا يحق على مؤمن أبصر هذا أن يموت كمدا وعبرة وأسفاً على فوت هذا من نفسه، أن يكون طيره أسمع له وأطوع، وأشد تحرياً لموافقته، وألزم لنصيحته من العبد المؤمن لربه، ألا ترى إلى الدابة الخسيسة قيمتها قليلة، تؤخذ من الدواب وقد اعتادت الرعي حيثما شاءت، كيف يروضها الرائض على قبول السرج واللجام؟ وكيف يؤدبها حتى تأخذ السير؟ وكيف يؤدبها عند القناطر، وفي مواضع الجلبة، يريد أن يشيعها حتى لا تهاب هذه المواضع إذا بلغت؟ وكيف تفتح أذنيها عند المسير. وتميل يميناً وشمالاً، لا ينقلب عنانها، فإن لم تجد قنطرة فأهوى بعنانها،
وثبت إلى الجانب وثبة مخاطرة بنفسها، وأن استقبلها جلبة لم تهب، ولم تترك سيرها، فتصير بحال تصلح للملك، فإن قوّمت قوّمت بالدنانير رفعة لها، لا بالدراهم، فتجلل وتبرقع، ويصفى لها العلف، وتربط في مربط الملك؛ فإنما بلغت هذا المبلغ، وسقط عنها جهد العمل وكده، وحمل أثقال الحمولات، وتخلصت من دبر الظهر، ومشقة الاستعمال،