جعله الخالق خالداً في الحياة الدنيا لبقي كافراً، فاستحق بالعدل الخلود في العذاب.
وعقوبة المعاصي من دون الإشراك بالله على مقاديرها كمّاً وكيفاً، ويغفر الله ما يشاء منها برحمته، على وفق حكمته، وبحسب علمه بأحوال عبده.
فالإنسان في الحياة الدنيا مخلوق ممتَحنٌ مكلَّف، وليس مخلوقاً متروكاً لكامل حرِّيته، يختار ما يشاء، ويفعل ما يشاء، دون مسؤولية عمّا يعتقد بإرادته غير المجبورة، وعمّا يعمل من عمل ظاهر أو باطن، بإرادته غير المجبورة، ودون حساب ولا جزاء، بل هو ملاحقٌ بالمسؤولية والحساب والجزاء، بالثواب أو بالعقاب.
وحرّيته المطلقة إنَّما تكون فيما أباح الله له فقط.
وله أيضاً حّريةٌ أخرى في ترك ما هو أحسن له وأفضل دون عقاب، لكنه يحرم نفسه من الثواب العظيم والأجر الجسيم، إذا اختار أن يترك ما هو الأحسن والأفضل، وليس من حقِّه بعد ذلك أن يقول: لِمَ لا أنال من النعيم والأجر العظيم مثل ما نال أولئك الذين فُضّلوا عليّ يوم الدين؟ فجوابه: أولئك اختاروا لأنفسهم في الحياة ما هو الأفضل والأحسن، مما فيه رضوان الله، وأنت لم تختر لنفسك ذلك، بل آثرت متاع الحياة الدنيا على الدرجات الحسنيات في الآخرة، فحرمت هذا الفضل العظيم من الربّ الكريم.
وبهذا البيان نفهم أنَّ ما فرضه الله على عباده من إيمان ومقدارٍ من العمل الصالح، وما حرَّمه عليهم من كفر وشرك به ومقدارٍ من العمل غير الصالح، إنَّما تكون حرّيَّة الإنسان فيه حريَّة الممتَحَن ما دام في ظروف الامتحان، لاستكمال اختباره، حتّى إذا انتهت ظروف امتحانه صار مُلاحقاً على ما قدَّمه في امتحانه بالمسؤولية والحساب والجزاء.
وهذه في الحقيقة ليست حريَّة كاملة، بل هي تكليف وإلزام، ولكن