لحكمة، ولا مجال لتصوّر العبث أو الظلم أو اللهو أو اللَّعب في شيءٍ من ذلك، وهو العليم الحكيم القدير الذي يفعل ما يشاء ويختار، خَلْقُه فَيْضٌ، وعطاؤه فَضْلٌ، وعقابه عَدْلٌ.

وقد خلق الله الناس على أحسن تقويم، وجعل حياتهم الأولى في هذه الدنيا داخل أحداث متداخلة متشابكة، وصور مختلفة كثيرة، ليبلوهم أيُّهم أحسن عملاً، فمن هو دون ذلك، حتى أسوئهم عملاً، وأحطِّهم دركة في أسفل سافلين، ليجزيهم في الحياة الأخرى، بعد الموت والبعث على مقادير أعمالهم.

فهذه الحياة الدنيا رحلة امتحان، والممتحن فيها إمَّا أن يسعى إلى سعادته يوم الدين، وإمَّا أن يسعى إلى شقائه وتعاسته وعذاب أليم.

والذين هم في الامتحان الربّاني مكلَّفون، ليسوا أحراراً في رفض التكليف. إنَّهم قبل الظهور إلى عالم الامتحان وهم في عالم الذرّ قد خُيّروا، كما جاء بيان هذا في القرآن الكريم في سورة (الأحزاب/33) الآية (72) ومضمون هذا التخيير: هل يريدون أن يكرّموا بإنسانيتهم، ويحملوا الأمانة وتكاليفَها، ويجتازوا رحلة الامتحان للظفر بالنَّعيم الخالد، فإن خالفوا أوامر ربّهم ونواهيه الجازمة وهم في رحلة الامتحان، كانوا عرضة للعقاب من دركات العقاب المؤقت على مقادير المعاصي في غير الكفر، حتى دركات الخلود في عذاب النّار بالكفر، ثمَّ حتَّى أسفل الدركات بالنفاق.

فكل من يجتاز رحلة الامتحان في ظروف هذه الحياة الدنيا بشروطه، فهو مكلَّف أن يؤمن بالله إيماناً صادقاً موافقاً للحقّ والواقع على ما يقضي به برهان العقل، وهو ما جاء على ألسنة رسل الله، وتنزَّلت به كُتُبه، من كونه تبارك وتعالى متَّصفاً بكلّ صفات الكمال، ومنزَّهاً عن كلّ صفات النقصان، ومنها توحيده في ربوبيته، وتوحيده في إلهيته، وأنه لا والد ولا ولد ولا صاحبة، وأن يؤمن باليوم الآخر يوم الحساب وفصل القضاء والجزاء، وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015