تَنْبِيه بقولنَا صُومُوا إِشَارَة إِلَى أَن الْخلاف فِي نسخ الْإِنْشَاء وَأما نسخ الْأَخْبَار فقد اخْتلف فِي جَوَاز نسخه فَقيل لَا يجوز وتفصيل الْبَحْث أَن الْخَبَر إِمَّا أَن يكون مِمَّا يتَغَيَّر مَدْلُوله كالإخبار بِإِيمَان زيد وكفره أَو مِمَّا لَا يتَغَيَّر نَحْو الْعَالم حَادث والباري مَوْجُود وَالنَّار محرقة فالنسخ هُنَا يكون بأمرين
الأول أَن يَأْمر الشَّارِع بالإخبار بحدوث الْعَالم أَو بِإِيمَان زيد ثمَّ ينْهَى عَن الْإِخْبَار بذلك فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف
وَهل يجوز النّسخ إِلَى الْإِخْبَار بنقيض مَا ذكر مَنعه من قَالَ بالتحسين والتقبيح لِأَنَّهُ أَمر بِالْكَذِبِ وَجوزهُ نفاتهما وَالتَّحْقِيق أَنه لَا يَقع النّسخ فِي الْخَبَر إِلَّا بتأويله بالانشاء وَحِينَئِذٍ فَلَا خلاف
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَا أَشَارَ النّظم إِلَيْهِ قَوْله إِلَى غير بدل وَأَنه قَول من لَهُم الإفادة وهم الْجُمْهُور وَقَالُوا يجوز إِلَى غير بدل بل قد وَقع وَخَالف فِيهِ طَائِفَة وَدَلِيل الْجُمْهُور أَنه لَو لم يجز لم يَقع وَقد وَقع كفسخ وَخَالف وجوب الصَّدَقَة فَإِنَّهَا نُسْخَة لَا إِلَى بدل اسْتدلَّ الْمَانِع بقوله تَعَالَى {مَا ننسخ من آيَة} الْآيَة فَإِنَّهُ أخبر تَعَالَى أَنه يَأْتِي بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا فَدلَّ على أَنه لَا ينْسَخ إِلَّا إِلَى بدل هُوَ خير من الْمَنْسُوخ أَو مثله وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِلَفْظ خير مِنْهَا لَا يحكم خير وَلَيْسَ الْخلاف فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الحكم وَلَا تدل عَلَيْهِ الْآيَة
قلت وَلَا يخفى أَن اللَّفْظ الَّذِي يُبدل بِهِ الْمَنْسُوخ لَا بُد أَن يكون دَال على حكم أَقَله ندب تِلَاوَته وقراءته وَأما آيَة نسخ الصَّدَقَة الَّتِي اسْتدلَّ بهَا الْجُمْهُور فَإِنَّهُ قد أُجِيب بِأَن الْحَث على الصَّدَقَة وَالتَّرْغِيب فِيهَا ثَابت بِدَلِيل عَام فَلَو أَرَادَ المناجي تَقْدِيم الصَّدَقَة بَين يَدي نَجوَاهُ لَكَانَ دَاخِلا لذَلِك الدَّلِيل الْعَام غَايَته