هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ من عدم الدّلَالَة من حَيْثُ هُوَ على أحد الْأَرْبَعَة أَي الْفَوْر والتراخي والمرة والتكرار لَكِن إِذا قيد الْأَمر بِمَا يَقْتَضِي أحد الْأَرْبَعَة عمل بِهِ وقرائن الْكل وَاسِعَة فللتكرار نَحْو التَّعْلِيق على عِلّة نَحْو قَوْله {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التّكْرَار اتِّفَاقًا للْإِجْمَاع على اتِّبَاع الْعلَّة المنصوصة وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْعلَّة مُنَاسبَة كالآية بِخِلَاف قَوْله إِن دخلت هِنْد الدَّار فَطلقهَا فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق من الْمَأْمُور مرّة وَاحِدَة فَلَو تكَرر دُخُولهَا وَطَلقهَا فِي كل مرّة لم يَقع اتِّفَاقًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ينْحل الشَّرْط ويرتفع الْأَمر بارتفاع الْمَأْمُور بِهِ وَلَا يتَكَرَّر لَو أَتَى بِكُل مَا أَو مَتى على رَأْي وَأما الْآيَة فَمُقْتَضى التّكْرَار إِنَّمَا هُوَ مَا علم من الحكم الشَّرْعِيّ أَن الْجَنَابَة توجب التَّطْهِير ثمَّ عطف قَوْله ... وَلَا القضا من ذَاك نستفيد ...
على قَوْله وَمَا على الْمرة وَهَذَا حكم من أَحْكَام الْأَمر الْمُقَيد بِالْوَقْتِ وَالْمرَاد أَن الْقَضَاء للْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقت لَا يُسْتَفَاد من الْأَمر الَّذِي ثَبت بِهِ الحكم بِمَعْنى أَنه إِذا خرج وقته يجب قَضَاؤُهُ بل إِنَّمَا يُسْتَفَاد مِمَّا أَفَادَهُ قَوْلنَا ... لكنه يعلم عِنْد النَّاظر ... وَيُسْتَفَاد من دَلِيل آخر ...
أَي إِن الْقَضَاء يُعلمهُ النَّاظر ويستفيده من دَلِيل غير دَلِيل الْأَدَاء وَعدم استفادته من دَلِيل الْأَدَاء هُوَ رَأْي الْجُمْهُور بل يُسْتَفَاد من دَلِيل آخر من نَص أَو قِيَاس أَو غَيرهمَا وَذَهَبت الْحَنَابِلَة وَالْحَنَفِيَّة والرازي وَآخَرُونَ إِلَى استفادته من دَلِيل الْأَدَاء وَاسْتدلَّ الْأَولونَ بِأَن من قَالَ لغيره صم يَوْم الْخَمِيس وَلَا يدل على صَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَلَا غَيرهَا بِشَيْء من الدلالات فإثبات الْقَضَاء بِهِ إِثْبَات لحكم شَرْعِي بِلَا دَلِيل وبطلانه وَاضح أُجِيب بِأَن قَوْله صم يَوْم الْخَمِيس تضمن شَيْئَيْنِ طلب الصّيام وَكَونه يَوْم الْخَمِيس فَإِذا فَاتَ الْوَقْت بَقِي الْأَمر بالصيام فقد تضمنه الْأَمر الأول وَدلّ عَلَيْهِ فَلَا يخرج الْمُكَلف عَن عُهْدَة الطّلب إِلَّا بالإتيان بِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوب