يذهبوا من هناك ففعل، وهدم المسلمون
جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المكان من المذابح والأبنية والحنايا حتى بقي ساحة مربعة ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على صفة حسنة لم يسبق اليها، واستعمل الوليد في بناء هذا المسجد على الصورة التي اخترعها خلق من الصناع والمهندسين والفعلة، وكان المستحث على عمارته أخوه وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك.
ويقال: إن الوليد بعث الى ملك الروم يطلب منه صنَّاعًا في الرخام وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد وأرسل يتوعده إن لم يفعل ليغرُوَنَّ بلاده الجيوش، وليخربن كل كنيسة في بلاده حتى كنيسة القدس، وكنيسة الرها، وسائر آثار الروم، فبعث ملك الروم صناعا كثيرة، وكتب إليه يقول له: إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يكن فهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليه، فلما وصل الكتاب إلى الوليد أراد أن يجيبه عن ذلك واجتمع الناس عنده لذلك فكان فيهم الفرزدق الشاعر فقال: أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب اللَّه تعالى، فقال: وما جوابه من كتاب اللَّه، قال قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78 - 79] فأعجب ذلك الوليد وأرسل به جوابًا لملك الروم، وقال الفرزدق في ذلك شعرا:
فرقت بين النصارى في كنيستهم ... وبين أهل الهدى الصافين له في الظلم
نصبت في الحال بالتميز أسعدهم ... على شقيهم المجرور للنقم
راك ربك تحويلا لبيعتهم ... عن مسجد يتلى فيه طيب الكلم
وهم جميعا إذا صلوا وأوجههم ... شتى إذا سجدوا للَّه والصنم
وكيف يجتمع الناقوس يضربه ... أهل الصليب إذا القراء لم تنم
فهمت تحويلها عنه كما فهما ... إذا يحكمان له في الحرث والغنم