قال: ولما أراد الوليد أن يبنى القبة التي في وسط الرواقات ويقال لها: قبة النسر، وهو اسم حادث لها وكأنهم شبهوها بالنسر في شكله، لأن الرواقات عن يمينها وشمالها
كالأجنحة لها حفروا في أركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منه ماء عذبا زلالا، ثم إنهم وضعوا فيه جدار الكرم، وبنوا من فوقه بالحجارة، فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت فقال الوليد لبعض المهندسين: وكان يعرف بالنسر، أريد أن تبني لى أنت هذه القبة، فقال على أن تعطنى عهد اللَّه وميثاقه أن لا يبنيها أحد غيري، ففعل له ذلك فبنى الأركان، ثم علقها بالبواري، وغاب سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب، فلما كان بعد السنة حضر فَهَمَّ الوليد بقتله فقال يا أمير المؤمنين: لا تعجل، ثم أخذه ومعه رؤوس الناس وجاء إلى الأركان، وكشف البواري، فإذا هي هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض فقال له: من هذا هربت وأتيت، ثم بناها فانعقدت على أحسن هيئة.
وقال بعضهم: أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن المسجد، فقال له المعمار: إنك لا تقدر على ذلك فضربه خمسين سوطا، وقال له: ويلك أنا أعجز عن هذا فقال: له نعم تعجز، قال: يبين لي ذلك بطريق أعرفه فقال أحضر الذهب الذي عندك كله فأحضره فسبكت منه لبنة فإذا هي قد دخل فيها ألوف من الذهب، فقال: يا أمير المؤمنين إنا نريد من هذا اللبن كذا وكذا ألف لبنة، فإن كان عندك ما يكفي ذلك عملناه، فلما تحقق الوليد صحة قوله أطلق له خمسين دينارًا، أو لما سقف الوليد الجامع جعلوا سقفه جملونات وباطنها سطح مقرنص بالذهب، فقال له