إبراهيم -عليه السلام- كان إذا أراد أن يأكل خرج ميلًا أو ميلين يلتمس من يأكل معه وكان يكنى أبا الضيفان وبصدق نيته في الضيافة دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا ينقضي يوم وليلة إلا ويأكل عنده ضيف، وقال قوام الموضع: لم يخل المكان إلى الآن ليلة عن ضيف قال: وحدثنى محمد بن عبد السلام بن حسين عن بعض الشيوخ قال: كان رجل شريف القدر محتشم من أهل دمشق ذو جاه يزور سيدنا الخليل -عليه السلام- كل حين وكان يؤتى بالضيافة التي جرت العادة بها لزواره فيردها ولا يأكل منها شيئًا فجاء مرة وهو ملهوف وجعل يطلبها ويجد في طلبها حتى قيل: إنه كان يتتبع ما بقى في القصاع ويلتقط ما يجد من لباب الخبز وفتاته فيأكله فقيل له في ذلك: فقال: رأيت الخليل عليه السلام فقال: ما أكلت ضيافتنا فما قبلنا زيارتك فإن أكلت ضيافتنا قبلنا زيارتك.
وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: إن اللَّه تعالى وسع على إبراهيم -عليه السلام- في المال والخدم فاتخذ بيت ضيافة له بابان يدخل الغريب من أحدهما ويخرج من الآخر، ووضع في ذلك البيت كسوة الشتاء وكسوة الصيف ومائدة منصوبة عليها طعام فيأكل الضيف ويلبس إن كان عريانا ويحدد إبراهيم -عليه السلام- كل حين مثل ذلك.
روى صاحب كتاب "الأنس" بسنده إلى وهب بن الورد قال: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام لما قرب العجل إلى الضيوف، ورأى أيديهم لا تصل إليه، قال: لِمَ لا تأكلون قالوا: لا نأكل طعامًا إلا بثمنه قال: أو ليس معكم ثمنه؟ قالوا: وأنى لنا بثمنه؟ قال: تسمون اللَّه تبارك وتعالى إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم قالوا: سبحان اللَّه لو كان ينبغي للَّه أن يتخذ خليلا من خلقه لا تخذك يا إبراهيم خليلا قال: فاتخذ اللَّه إبراهيم
خليلا، وقيل: إن الملائكة لما رأت ازدياد إبراهيم -عليه السلام- في الخير وإقبال الدنيا عليه ولم يشغله ذلك عن اللَّه طرفة عين عجبت من ذلك وقالت: إن ظاهره الحسن وأنه لا يؤثر على ربه شيئًا فهل هو في قلبه هكذا فعلم