ومن أعز ما امتحن به أهل الإيمان ولذلك مدحه اللَّه تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] ومعنى التوفية هو الإتمام لما طولب به في دينه ونفسه وماله وولده فأتم الجميع على الوجه المطلوب ولما صنع له نمرود المنجنيق وألقاه في النار ظهر تحقيق الابتلاء وصدق الولاء وذلك أنه لما نزل من
عدوه ما نزل ووضع في المنجنيق استغاثت الملائكة قائلةً: يا ربنا هذا خليلك قد نزل به من عدوك ما أنت أعلم به، فقال اللَّه سبحانه لجبريل اذهب إليه فإن استغاث بك فأغثه وإلا فاتركني وخليلي، فتعرض له جبريل وهو يقذف به في لجة الهواء إلى النار فقال له: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا وأما إلى اللَّه فبلى وقيل: جاءه جبريل -عليه السلام- فسأله فقال: أما إليك فلا حسبي من سؤالي علمه بحالى فلم يستنصر بغير اللَّه ولا جنحت له همته لما سوى اللَّه بل استسلم لحكم اللَّه مكتفيًا بتدبير اللَّه تعالى عن تدبير نفسه فأثنى اللَّه تعالى عليه بقوله تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] ونجاه من النار وقال لها: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] فقال بعض أهل العلم لو لم يقل اللَّه تعالى وسلامًا لأهلكه بردها فخمدت تلك النار وقيل: إنه لم يبق في ذلك الوقت نار في مشارق الأرض ومغاربها إلا خمدت ظانة أنها المعنية بالخطاب قال: وكان حين وضع في المنجنيق ورمي به جرد من ثيابه ولم يترك عليه إلا سراويله فقصد بعض السفهاء نزع السراويل عنه فشلت يده، وكان مقيدا بقيود وتلقاه جبريل عليه السلام فلم يضره ألم الهوي فلما استقر على الأرض وهي إذ ذاك جمرا أحمر يلتهب ويتوقد ولم يؤثر فيه شيء من حرارة النار وظهر للناظرين إليه والرائين له أن الأرض التي سقطت عليها مخضرة موفقة وجليسه جليس صالح حسن الوجه والهيئة كأحسن ما رأى راء، ثم ألبسه قميصًا من ثياب الجنة وفك قيده وآنسه وقال له: ربك يقرئك السلام ويقول لك أما علمت أن النار لا تضر