فسكت.
ثم إنها رجعت إلى زوجها وقالت: أرأيت الغلام الذي يتحدث به إنه بغير دين أهل الأرض، قال: لا، قالت: إنه ابنك ثم أخبرته بأمره ومكانه فأتاه أبوه ونظر وفرح به، وقال له ما قاله لأمه: فقال له أبوه عند ذكر إله نمرود: اسكت. فسكت: قال: ثم إن إبراهيم قال لأمه يوما أخرجيني من الغار فأخرجته عشاء فلما خرج تفكر في خلق السموات والأرض ثم قال: إن الذي خلقنى ورزقني ويطعمنى ويسقيني لربي مالي إله غيره، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبًا فقال: هذا ربي ثم أتبعه ببصره وينظر إليه حتى غاب فسئمه قال: "لا أحب الآفلين" وهذا يدل على كمال عقله وعلمه إذ الآفل لا يجوز أن يكون إلهًا قال: ثم رأى القمر بازغًا قال: هذا ربي وأتبعه بصره حتى غاب فسئمه ورجع بفكره متوجهًا إلى ربه، وقال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ومضى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لئن لم يهدني ربي لأن الهداية والتوفيق بيده سبحانه قال: ثم طلعت الشمس فقال: هذا ربي هذا أكبر مني فلما أفلت سئمها وتوجه إلى ربه بقلب سليم ووجهه للحق بالصدق واليقين ونادى على قومه بالشرك المبين، وقال: {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78، 79] فنقله اللَّه تعالى من علم اليقين إلى عين اليقين. قال: ثم إن أباه ضمه إليه فشب شبابًا حسنًا ولا زال -صلى اللَّه عليه وسلم- في جميع أحواله مجملًا مكملًا حتى أكرمه اللَّه بما أكرمه من الأيات البينات والكرامات الباهرات ثم ألبسه خلعة الخلة وجعله من أولي العزم من الرسل وجعله أبا الأنبياء وتاج الأصفياء، ونور أهل الأرض وشرف أهل السماء وكان مولده بكوثا من إقليم بابل من أرض العراق على أرجح الأقوال قال ولم يبتل أحد من الخلق بهذا الدين فأقامه كله إلا إبراهيم عليه السلام، وهذا قول ابن عباس -رضي اللَّه عنه- لا جرم أن اللَّه عز وجل مدحه في كتابه العزيز بقوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]، والكلمات التي ابتلاها اللَّه من أجل شرائع الإسلام