وأدبياته، وأديانه، وحضاراته، وما تزال تعقد حتى هذه الأيام، قد بدأ الاستشراق إذن منذ دقت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوربا العريضة، وكان المسلمون قد احتلوا عرش السيادة الدولية، وملئوا سمع الزمان وبصره وسائر مشاعره. وأخذت أوربا الغارقة في الجهل والتخلف الحضاري يومئذ تبحث عن أسباب نهضة المسلمين، وعن أسباب بلوغهم هذا المجد العظيم الذي بلغوه؛ فأخذ بعض رجال الكنيسة الأوربيين يدرسون علوم هؤلاء الفاتحين ولغتهم، لعلهم يظفرون بما يوقفون به مد هذا الفتح الإسلامي، ولعلهم يكتسبون من علوم المسلمين ما ينفعهم في إنقاذهم من تخلفهم، ويفتح لهم أبواب الارتقاء.

فكان الاستشراق طلبًا لعلوم الشرقيين ولغاتهم وأوضاعهم وبحثًا عنها، وفي أعقاب الحروب الصليبية وضعت الخطة لغزو المسلمين بوسائل أخرى غير وسيلة الحرب المسلحة بالأسلحة المادية، واقتضت خطة الغزو الجديد التوسع في الدراسات الاستشراقية؛ لتكون تمهيدًا لهذا الغزو، وإعدادًا لشروطه الفكرية والنفسية، ولما كان المحركون للحروب الصليبية من رجال الكهنوت الأوربيين والعلوم العليا تكاد تكون منحصرة في الكنيسة لديهم يومئذ؛ كان أول المتوجهين للدراسات الشرقية من هؤلاء الرجال هم الرهبان، ولا ريب أن أغراضهم في ذلك تواكب أغراض الحروب الصليبية التي هي أخذت أسلوبًا جديدًا في الغزو غير أسلوب الغزو المادي المسلح بالأدوات الحديدية، وكذلك تتفق أهدافهم مع أهداف التنصير، أو كما يسمونه التبشير بالمسيحية.

وانطلق المتوجهون للدراسات الشرقية يعملون في هذا المضمار بجد، ويترجمون إلى لغاتهم كتبًا كثيرة من كتب المسلمين، ونبتت نابتة الفكر الاستعماري في دول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015