أوربا بعد نهضتها، واحتاج الطامعون باستعمار بلاد المسلمين إلى زاد من الدراسات الشرقية، فوجهت الدوائر الاستعمارية أعدادًا من المتعلمين في بلادها للتفرغ للدراسات الشرقية من جوانب متعددة لغوية، ودينية، واجتماعية، وتاريخية، وسياسية، وغير ذلك. وكان كثير منهم من منسوبي الكنيسة الذين يحملون في نفوسهم أهداف التنصير، فالتقت في الاستشراق أهداف جمعيات التنصير، وأهداف الدوائر الاستعمارية. ومن طبيعة الأهداف التي تسبق الأعمال في التصور أن تكون موجهة للأعمال، ومؤثرة فيها، إلا من نما في قلبه وجدان حب الحق، وسيطرت عليه الرغبة بنصرته ولو كان ضد هواه وضد عصبياته الخاصة وقليل ما هم.
ثم أسست للاستشراق معاهد، وتألفت جمعيات من المستشرقين للتعاون في الأعمال المتعلقة بالدراسات والعلوم الشرقية، كنشر بعض المخطوطات العربية، ووضع الفهارس الشاملة لبعض الكتب الإسلامية الأصول، ووضع بعض المعاجم المفهرسة، وتفصيل آيات القرآن الكريم بحسب موضوعاتها ونحو ذلك؛ بل ودخلت هذه الدراسات الشرقية في الجامعات الكبرى، فكان لها فروع حتى مستوى تحصيل شهادة الدكتوراه.
وأخذ فريق من المستشرقين يؤلف المؤلفات المتعلقة بالعلوم الإسلامية لخدمة أهداف الاستشراق الأساسية الرامية إلى تشويه الإسلام، وتشويه التاريخ الإسلامي، ووضع الشبهات، وتصيد الأدلة لها، وتوجيه الانتقادات الملفقة إلى أحكام الإسلام وشرائعه، وتتبع الأخبار الساقطة، والأقوال الضعيفة المردودة، وتفسير الظواهر تفسيرًا ماديًّا بحسب ما يروق لهم، وشرح النصوص القرآنية على أساس أن القرآن ليس من كلام الله، وليس كتابًا