وبعد أن هدم خالد العزى رجع إلى رسول الله فقال له: "هل هدمتها؟ " قال: نعم، فقال له: "هل رأيت شيئا؟ " فقال: لا، قال "فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها"، فرجع وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سيفه فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس فجعل السادان - خادم الصنم - يصيح بها قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري فجعل السادان يصيح ويقول:
أعز شدي شدة لا تكذبي ... أعز ألقي للقناع وشمري
أعز إذا لم تقتلي اليوم خالدا ... فبوئي بذنب عاجل وتنصري
فأقبل خالد إليها بالسيف فضربها فشقها نصفين ثم رجع إلى رسول الله فأخبره، فقال: "نعم تلك العزى قد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا" 1 ثم قال خالد: أي رسول الله الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا من التهلكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العزى ومعه مائة من الإبل والغنم فيذبحها للقرى ويقيم عندها ثم ينصرف إلينا مسرورا فنظرت إلى ما مات عليه أبي وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع فقال رسول الله: "إن هذا الأمر إلى الله فمن ييسره للهدى ييسر ومن ييسره للضلالة كان فيها".
ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وأرسله رسول الله إلى أكيدر صاحب دومة في رجب سنة تسع وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية ورده إلى بلده.
وأرسله رسول الله سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم.
وأمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال مسيلمة الكذاب والمرتدين باليمامة وكان له في قتالهم الأثر العظيم كما مر ذكره في كتابنا هذا وله الآثار المشهورة في قتال الروم بالشام والفرس بالعراق وهو أول من أخذ الجزية من الفرس في صلح الحيرة وافتتح دمشق وكان في قلنسوته شعر من شعر رسول الله يستنصر به ويتبرك فلا يزال منصورا.
ولما حضرت خالد الوفاة قال:
لقد شهدت مائة زحف أو نحوها وما في بدني موضع شبر إلا وبه ضربة أو طعنة أو رمية وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء وما لي من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متترس بها.
وكان يشبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلقه وصفته.
وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة 21هـ "641 - 642 م ": - وعمره بضع وأربعون سنة وكانت وفاته بحمص وقبره مشهور يزار إلى الآن في ضمن مسجد واقع خارج السور إلى الجهة