رسول الله لخالد بالعقل كما ترى.
إن خالدا كما قلنا كان من رجال قريش المعدودين فكان أشجعهم قلبا عالما بفنون الحرب فارسا مغوارا لا يرهب الموت ولا تهوله كثرة الجيوش؛ لكنه مع ذلك أخفق في محاربة رسول الله ولم تنفعه شجاعته ولم تفده فروسيته لذلك كان يرى أنه في غير شيء إزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اعترف بنفسه، فماذا يعمل خالد وغير خالد أمام النبوة ورسول الله يمده الله سبحانه وتعالى بالقوى الظاهرة والباطنة وتقع على يديه المعجزات الباهرة التي دونها بطولة الأبطال وشجاعة الشجعان وعلوم الخلق كافة ويبشره الله بالنصر والفتح المبين!؟ وماذا يفعل وهو يرى انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا، وقد ألفى نفسه وحيدا كعمرو بن العاص لا يقدر على عمل شيء، هذا وقد كان رسول الله يعرف الرجال ويقدرهم ولذلك كان يرجو أن يهدي الله خالدا إلى الإسلام ويجعل نكايته مع المسلمين على المشركين فنصحه أخوه الوليد الذي سبقه إلى الإسلام أن يسلم فأثر فيه النصح بعد أن فكر في مواقفه الماضية وفكر في كرامته فبادر إلى الدخول في الإسلام تكفيرا عن سيئاته وإراحة لضميره وصونا لكرامته وقد صدقت فيه فراسة رسول الله كما صدقت فراسته في عمر بن الخطاب فإن خالدا بعد أن أسلم دافع عن الإسلام دفاعا مجيدا قل أن يحدث مثله في تاريخ العالم، وقد شهد له بذلك الصحابة والأمم التي حاربها من فرس وروم واعترف له علماء التاريخ بالكفاية الحربية النادرة وصدق فيه قول رسول الله: " إنه سيف من سيوف الله" 1.
وقد كتب الأستاذ أوجست مولر في كتابه الإسلام يصفه فقال: لقد كان خالد من أولئك الذين كانت عبقريتهم الحربية هي مل حياتهم الفكرية مثل نابليون فإنه لم يعن بشيء غير الحرب ولم يرد أن يتعلم شيئا غير ذلك.
وهذا ما قاله خالد عن نفسه: شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن.
ومن ذا الذي يدري ماذا كان يصنعه خالد لو أنه تلقى الفنون الحربية واستعمال الأسلحة المختلفة وأساليب القيادة وخطط الهجوم والدفاع أو لو أنه عاش في زمن انتشرت فيه الطرق المنظمة وامتدت السكك الحديدية لنقل الجيوش وتموينها في ومن اختراع التلغراف والتليفون واللاسلكي والأسلاك الشائكة والغازات الخانقة والمدافع الكبيرة والأساطيل العجيبة والمفرقعات المخيفة والطيارات التي تلقي القنابل؟!
ألا ترى أنه بمواهبه الحربية الفطرية وشجاعة قلبه وعقيدته الإسلامية قاد جيوش المسلمين على قلة عددهم وعددهم التي لم تتجاوز السيف والقوس والفرس فهزم امبراطوريتين ملكتا العالم بكثرة جيوشهما ووفرة الذخائر والمال - ألا وهما الفرس والرومان فكانت جيوشهما تقتل وتفر أمامه من الميدان مهزومة وكبار القادة يصرعون أو يسلمون والمدن الحصينة تفتح أبوابها وتسلم وتخضع أمام قوة العقيدة وصدق الإيمان والإخلاص وعدم الاكتراث بمواجهة الجيوش الجرارة طمعا في الشهادة!