وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب فكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر يوم الجمعة فيجمع الناس وكان رجلا تاجرا فكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو بنفسه فيها وربما كفيها فرعيت له وكان يحلب للحي أغنامهم فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي الآن لا تحلب لنا منائح1 دارنا فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه من خلق كنت عليه فكان يحلب لهم.
ثم نظر أبو بكر في أمره فقال: لا والله ما تصلح أمر الناس التجارة وما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد لعيالي مما يصلحهم فترك التجارة وأنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم ويحج ويعتمر وكان الذي فرضوا له في كل سنة 6000 درهم فلما حضرته الوفاة قال: ردوا ما عندنا من مال المسلمين فإني لا أصيب من هذا المال شيئا وإن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم فدفع ذلك إلى عمر ودفع إليه بعيرا وعبدا وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم، فقال عمر: لقد أتعب من بعده.
وحسبوا ما أنفقه على أهله من بيت المال فوجدوه 8000 درهم في ولايته وكان يوزع الصدقات على الفقراء وعلى تجهيز الجيوش، كذلك كان يوزع غنائم الحرب على الناس حال وصولها أو في صباح اليوم التالي ولم يكن له حرس يحرسونه وكان يستشير عمر بن الخطاب.
بيت مال المسلمين2
كان لأبي بكر الصديق بيت مال بالسنح معروف ليس يحرسه أحد فقيل له: يا خليفة رسول الله ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه، فقيل له: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه حتى لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير فيه سواء.
ولما توفي ودفن دعا عمر بن الخطاب الأمناء ودخل بهم بيت المال ومعه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهما ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه دينارا ولا درهما فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزان على عهد رسول الله وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال فسئل الوزان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ فقال: مائتي ألف.