وفي تاريخ ذاك سمع أن مولاي إسماعيل سلطان المغرب راكب عليها والله أعلم بحقيقة الحال.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الثاني، ورد قاضي الشام حسين أفندي وزير زاده.
وفي أواسطه توفي الشاب الفاضل الأديب الشاعر أسعد جلبي بن عبادة بمرض الدق. قرأ في زمانه على أفاضل دمشق. فقرأ على الشيخ عبد السلام الكاملي، وعلى صاحبنا الأخ الشيخ محمد الحبال، وكان قرأ المطول على الشيخ عبد السلام المذكور، وبعد أن ختمه عليه عمل ضيافةً حافلةً دعا فيها العلماء وكثيراً من الأفاضل. وكان له تردد على الشيخ العلامة الشيخ عبد الغني ويجتمع عنده، درس الفتوحات وغيرها. وصلي عليه بالجامع ودفن بتربة مرج الدحداح.
وكان له شعر في غاية الرقة والجودة، ومن محاسن شعره، قصيدته المشهورة التي سارت بها الركبان، وفاقت بجواهر عقودها على جواهر التيجان، وأولها:
سمير الأماني كيف يرتاح باله ... وآماله قد علّقت بالكواكب
يؤرّقه حبٌّ أذاب فؤاده ... وفهم معاني رمز قيس الحواجب
تخذت الهوى روضاً ونوحي حمامةً ... فأنبت ورداً من دموعي السّواكب
أروم وصالاً من حبيبٍ ممنّعٍ ... بسمر القنا والمرهفات القواضب
أدار على الياقوت روض زبرجدٍ ... فأطلع صبحاً تحت ليل الذوائب
فيا غصن الريحان عطفاً على الذي ... أحاطت به الأشواق من كل جانب
فكم أجتني زهر الأسى وإلى متى ... أُملّك قلبي بالأماني الكواذب
فليت ربا الآمال تثمر بالمنى ... فينزاح يأسي عن وجوه مطالبي
لألثم جيداً واضحاً وذؤابةً ... فبين الضّحى والليل كلّ العجائب
قصيدة أخرى له: ومن محاسن شعره قوله، وهو من بحر الطويل:
أُنادم فكري في هواك فينقضي ... نهاري وليلي في كواذب آمالي
ولي مقلةٌ قد طال عمر سهادها ... وقد ذل في عدل الهوى دمعها الغالي
وطرف رجا قد كحّل اليأس سهده ... وربع اصطبارٍ فيك يا منيتي خالي
بأغصان أشواقٍ يرنّحها الهوى ... فتشدو بأعلاها حمائم بلبالي
وصورة حبٍّ في الفؤاد أظنّها ... تحاول سلب الرّوح عن جسدي البالي
ولولاك ما كانت حمّيا مطامعي ... تدار بأقداح الأمالي على بالي
ولولاك عاطيت الزمان سلافةً ... من العتب أحلى من معتّق جريال
ولكنني أخشى بأن يسمع الصّبا ... فينقل أسراري إلى سمع عذالي
وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الثاني، توفي الشيخ مصطفى الأوليا. أخذ الطريقة الخلوتية، وقرأ على ابن بلبان طرفاً من فقه الشافعي، وصلي عليه بالخانوتية ودفن بالسفح.
رجب، في السنة المذكورة، ورد الباشا من سفرته وله غايب من ربيع الثاني، وورد في ثالث رجب يوم الخميس، فمدة غيبته نحو تسعين يوماً.
وفي يوم الجمعة سابع رجب، نادى على النساء، وعلى أن الدخان لا يشرب في الأسواق، وحصل لذوي العادة من السوقة غاية المشقة. وغلاء الأسعار باق على حاله.
وفيه ورد الباشا بالمصحف العثماني من بصير، قرية من قرى حوران، كان في مسجد خراب مكتوب بالكوفي، وهو أحد المصاحف التي أرسلها الإمام عثمان رضي الله عنه إلى الأطراف، فإنه أرسل للكوفة وإلى دمشق ومصر ونحو ذلك، ووضع في المقصورة بالجامع، وقيل إن المصحف العثماني الذي في دمشق مصحف الكوفة، ومصحف دمشق مفقود لعله من زمن الحريق، والنار من جند الله، ونعم ما صنع ناصيف.
وفي يوم الحادي والعشرين من رجب، وردت خطبة الجامع لسليمان أفندي بن محاسن، وتدريس السليمية، فخطب ولم يقارش الدرس لأنه كان في أشهر فراغ الدروس، ومصطفى جلبي الخطيب بن الشيخ محمد أفندي الأسطواني المعزول منها، تأهب للحج الشريف.
وفيه بلغ أن عطا الله أفندي عزل عن مشيخة الإسلام بمحمود أفندي قاضي العسكر سابقاً.