وأذكر في إحدى المرات في المرحلة الثانوية أن أستاذ الكيمياء في المدرسة أعطانا معادلة أنه إذا وضعت السائل الأول على السائل الثاني يحدث التفاعل ويخرج السائل الثالث ولونه أزرق، ثم أخذنا إلى العمل، وقال: انظروا يا أولاد، السائل الأول الذي لا لون له، وهذا السائل الثاني الذي لا لون له، وسأضع السائل الذي لا لون له على السائل الذي لا لون له، وستفاجؤون بسائل أزرق يكون نتيجة التفاعل الكيميائي، انظروا، فوضع السائل الأول على السائل الثاني وكلنا يتوقع الزرقة، فإذا بنا أمام سائل أحمر، فضج الفصل كله بالضحك، وبعد أن ضحكنا ملء أفواهنا، قال الأستاذ: أرجو ألا تنسوا أبدًا هذه التجربة، ثم قال: أنا لم أخطئ فقد تكوّن فعلًا السائل الأزرق ولكن نظرًا لأننا قمنا بعمل التجربة في الهواء الطلق فقد تفاعل السائل الأزرق مع الأكسجين الموجود في الجو فنشأ السائل الأحمر، وأنا أتذكر هذا الكلام حتى الآن، ربما أكون نسيت ما هو السائل الأزرق وما السائل الأحمر، ولكن لا أنسى أبدًا هذه التجربة .. لأنني لم أذاكرها في الكتاب فقط وإنما شاهدت تلك التجربة بعيني واختلطت بمشاعري وضحكات زملائي وكلام الأستاذ ..
وهذا بالضبط ما أراده الله تعالى، فالله يريد أن يحفر بعمق شيئًا مهمًا داخل النفس البشرية، وهذا الشيء هو أحداث حياة سيدنا إبراهيم، أحداث الملة الإبراهيمية، يقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ