هذه الأمم لا تدرك أن هناك سنة، ولا تشعر أن اللّه يستدرجها وفق هذه السنة. والذين يدورون في فلكها يبهرهم اللألاء الخاطف، ويتعاظمهم الرخاء والسلطان، ويخدعهم إملاء اللّه لهذه الأمم، وهي لا تعبد اللّه أو لا تعرفه، وهي تتمرد على سلطانه، وهي تدعي لأنفسها خصائص ألوهيته، وهي تعيث في الأرض فسادا، وهي تظلم الناس بعد اعتدائها على سلطان اللّه ..
ولقد كنت - في أثناء وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية - أرى رأي العين مصداق قول اللّه سبحانه: «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيء» .. فإن المشهد الذي ترسمه هذه الآية .. مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والأرزاق بلا حساب! .. لا يكاد يتمثل في الأرض كلها كما يتمثل هناك! وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه، وشعورهم بأنه وقف على «الرجل الأبيض» وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة، وفي وحشية كذلك بشعة! وفي صلف على أهل الأرض كلهم لا يقاس إليه صلف النازية الذي شهر به اليهود في الأرض كلها حتى صار علما على الصلف العنصري. بينما الأمريكي الأبيض يزاوله تجاه الملونين في صورة أشد وأقسى! وبخاصة إذا كان هؤلاء الملونون من المسلمين ..
كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الآية، وأتوقع سنة اللّه، وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين: «حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
وإذا كان اللّه قد رفع عذاب الاستئصال بعد بعثة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فهناك ألوان من العذاب باقية. والبشرية - وبخاصة الأمم التي فتحت عليها أبواب كل شيء - تذوق منها الكثير. على الرغم من هذا النتاج الوفير، ومن هذا الرزق الغزير! إن العذاب النفسي، والشقاء الروحي، والشذوذ الجنسي، والانحلال الخلقي .. الذي تقاسي منه هذه الأمم اليوم، ليكاد يغطي على الإنتاج والرخاء والمتاع وليكاد يصبغ الحياة كلها بالنكد والقلق والشقاء (?)!