متدفقة كالسيول بلا حواجز ولا قيود! وهي مقبلة عليهم بلا عناء ولا كد ولا حتى محاولة! إنه مشهد عجيب يرسم حالة في حركة على طريقة التصوير القرآني العجيب (?).

«حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا» .. وغمرتهم الخيرات والأرزاق المتدفقة واستغرقوا في المتاع بها والفرح لها - بلا شكر ولا ذكر - وخلت قلوبهم من الاختلاج بذكر المنعم ومن خشيته وتقواه وانحصرت اهتماماتهم في لذائذ المتاع واستسلموا للشهوات، وخلت حياتهم من الاهتمامات الكبيرة كما هي عادة المستغرقين في اللهو والمتاع. وتبع ذلك فساد النظم والأوضاع، بعد فساد القلوب والأخلاق وجر هذا وذلك إلى نتائجه الطبيعية من فساد الحياة كلها .. عندئذ جاء موعد السنة التي لا تتبدل: «أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» .. فكان أخذهم على غرة وهم في سهوة وسكرة. فإذا هم حائرون منقطعو الرجاء في النجاة عاجزون عن التفكير في أي اتجاه. وإذا هم مهلكون بجملتهم حتى آخر واحد منهم.

«فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» .. ودابر القوم هو آخر واحد منهم يدبرهم أي يجيء على أدبارهم فإذا قطع هذا فأوائلهم أولى! .. و «الذين ظلموا» تعني هنا الذين أشركوا .. كما هو التعبير القرآني في أغلب المواضع عن الشرك بالظلم وعن المشركين بالظالمين .. «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..

بعد هذا الاستدراج الإلهي والكيد المتين .. وهل يحمد اللّه على نعمة، أجل من نعمة تطهير الأرض من الظالمين، أو على رحمة أجل من رحمته لعباده بهذا التطهير؟

لقد أخذ اللّه قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط، كما أخذ الفراعنة والإغريق والرومان وغيرهم بهذه السنة ووراء ازدهار حضارتهم ثم تدميرها، ذلك السر المغيب من قدر اللّه وهذا القدر الظاهر من سنته وهذا التفسير الرباني لهذا الواقع التاريخي المعروف.

ولقد كان لهذه الأمم من الحضارة وكان لها من التمكين في الأرض وكان لها من الرخاء والمتاع ما لا يقل - إن لم يزد في بعض نواحيه - عما تتمتع به اليوم أمم مستغرقة في السلطان والرخاء والمتاع مخدوعة بما هي فيه خادعة لغيرها ممن لا يعرفون سنة اللّه في الشدة والرخاء ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015