الفطرة البشرية هي عقدة العقيدة وما لم تنعقد هذه العقدة أولا فلن يثبت فيها شيء من خلق أو تهذيب أو إصلاح اجتماعي .. إن مفتاح الفطرة البشرية هاهنا. وما لم تفتح بمفتاحها فستظل سراديبها مغلقة ودروبها ملتوية، وكلما كشف منها زقاق انبهمت أزقة وكلما ضاء منها جانب أظلمت جوانب، وكلما حلت منها عقدة تعقدت عقد، وكلما فتح منها درب سدت دروب ومسالك .. إلى ما لا نهاية ..

لذلك لم يبدأ المنهج الإسلامي في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها، من هذه الرذائل والانحرافات ..

إنما بدأ من العقيدة .. بدأ من شهادة أن لا إله إلا اللّه .. وطالت فترة إنشاء لا إله إلا اللّه هذه في الزمن حتى بلغت نحو ثلاثة عشر عاما، لم يكن فيها غاية إلا هذه الغاية! تعريف الناس بإلههم الحق وتعبيدهم له وتطويعهم لسلطانه .. حتى إذا خلصت نفوسهم للّه وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره اللّه .. عندئذ بدأت التكاليف - بما فيها الشعائر التعبدية - وعندئذ بدأت عملية تنقية رواسب الجاهلية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والسلوكية .. بدأت في الوقت الذي يأمر اللّه فيطيع العباد بلا جدال. لأنهم لا يعلمون لهم خيرة فيما يأمر اللّه به أو ينهى عنه أيا كان! أو بتعبير آخر: لقد بدأت الأوامر والنواهي بعد «الإسلام» .. بعد الاستسلام .. بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء .. بعد أن لم يعد يفكر في أن يكون له إلى جانب أمر اللّه رأي أو اختيار .. أو كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» تحت عنوان: «انحلت العقدة الكبرى»: « .. انحلت العقدة الكبرى .. عقدة الشرك والكفر .. فانحلت العقد كلها وجاهدهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة. وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ولا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى. حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد .. نزل تحريم الخمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015