التدرج في تحريم الخمر والميسر

لقد كانت الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من معالم الحياة الجاهلية، ومن التقاليد المتغلغلة في المجتمع الجاهلي. وكانت كلها حزمة واحدة ذات ارتباط عميق في مزاولتها، وفي كونها من سمات ذلك المجتمع وتقاليده .. فلقد كانوا يشربون الخمر في إسراف، ويجعلونها من المفاخر التي يتسابقون في مجالسها ويتكاثرون ويديرون عليها فخرهم في الشعر ومدحهم كذلك! وكان يصاحب مجالس الشراب نحر الذبائح واتخاذ الشواء منها للشاربين وللسقاة ولأحلاس هذه المجالس ومن يلوذون بها ويلتفون حولها! وكانت هذه الذبائح تنحر على الأنصاب وهي أصنام لهم كانوا يذبحون عليها ذبائحهم وينضحونها بدمها (كما كانت تذبح عليها الذبائح التي تقدم للآلهة أي لكهنتها!) .. وفي ذبائح مجالس الخمر وغيرها من المناسبات الاجتماعية التي تشبهها كان يجري الميسر عن طريق الأزلام. وهي قداح كانوا يستقسمون بها الذبيحة، فيأخذ كل منهم نصيبه منها بحسب قدحه. فالذي قدحه (المعلى) يأخذ النصيب الأوفر، وهكذا حتى يكون من لا نصيب لقدحه. وقد يكون هو صاحب الذبيحة فيخسرها كلها! وهكذا يبدو تشابك العادات والتقاليد الاجتماعية ويبدو جريانها كذلك وفق حال الجاهلية وتصوراتها الاعتقادية.

ولم يبدأ المنهج الإسلامي في معالجة هذه التقاليد في أول الأمر، لأنها إنما تقوم على جذور اعتقادية فاسدة فعلاجها من فوق السطح قبل علاج جذورها الغائرة جهد ضائع. حاشا للمنهج الرباني أن يفعله! إنما بدأ الإسلام من عقدة النفس البشرية الأولى. عقدة العقيدة. بدأ باجتثاث التصور الجاهلي الاعتقادي جملة من جذوره وإقامة التصور الإسلامي الصحيح. إقامته من أعماق القاعدة المرتكزة إلى الفطرة .. بيّن للناس فساد تصوراتهم عن الألوهية وهداهم إلى الإله الحق. وحين عرفوا إلههم الحق بدأت نفوسهم تستمع إلى ما يحبه منهم هذا الإله الحق وما يكرهه. وما كانوا قبل ذلك ليسمعوا! أو يطيعوا أمرا ولا نهيا وما كانوا ليقلعوا عن مألوفاتهم الجاهلية مهما تكرر لهم النهي وبذلت لهم النصيحة .. إن عقدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015