لقد تمخضت المعركة والتعقيب القرآني عليها عن حقائق ضخمة منوعة، يصعب إحصاؤها ثم إيفاؤها حقها من البسط والعرض في هذا السياق من الظلال. فنكتفي بالإشارة إلى أشملها وأبرزها، ليقاس عليه سائر ما في الغزوة كما عرضها القرآن الكريم من مواضع للعبرة والاستدلال:
1 - لقد تمخضت المعركة والتعقيب عليها عن حقيقة أساسية كبيرة في طبيعة هذا الدين الذي هو المنهج الإلهي للحياة البشرية، وفي طريقته في العمل في حياة البشر. وهي حقيقة أولية بسيطة، ولكنها كثيرا ما تنسى، أو لا تدرك ابتداء، فينشأ عن نسيانها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين: في حقيقته وفي واقعه التاريخي في حياة الإنسانية، وفي دوره أمس واليوم وغدا ..
إن بعضنا ينتظر من هذا الدين - ما دام هو المنهج الإلهي للحياة البشرية - أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة! دون اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أية مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم! وحين يرون أنه لا يعمل بهذه الطريقة، وإنما هو يعمل في حدود الطاقة البشرية، وحدود الواقع المادي للبشر. وأن هذه الطاقة وهذا الواقع يتفاعلان معه، فيتأثران به في فترات تأثرا واضحا، أو يؤثران في مدى استجابة الناس له، وقد يكون تأثير هما مضادا في فترات أخرى فتقعد بالناس ثقلة الطين، وجاذبية المطامع والشهوات، دون تلبية هتاف الدين أو الاتجاه معه في طريقه اتجاها كاملا .. حين يرون هذه الظواهر فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها! - ما دام هذا الدين من عند اللّه - أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته! أو يصابون بالشك في الدين إطلاقا! وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد، هو عدم إدراك طبيعة هذا الدين، وطريقته، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.
إن هذا الدين منهج للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد بشري، في حدود الطاقة البشرية، ويبدأ في العمل من النقطة التي يكون البشر عندها بالفعل من واقعهم المادي، ويسير