تمثل المعنى المجرد في صور وأشكال وخصائص ونماذج .. ذلك شأنه مع المعاني المجردة التي تمثل المحدود، فكيف بغير المحدود؟
لذلك يضرب القرآن الأمثال للناس ويقرب إلى حسهم معانيه الكبرى بوضعها في صور ومشاهد، ومحسوسات ذات مقومات وخصائص وأشكال على مثال هذا المثال. والبحر في هذا المثال يمثل علم الإنسان الذي يظنه واسعا غزيرا. وهو - على سعته وغزارته - محدود. وكلمات اللّه تمثل العلم الإلهي الذي لا حدود له، والذي لا يدرك البشر نهايته بل لا يستطيعون تلقيه وتسجيله. فضلا على محاكاته.
ولقد يدرك البشر الغرور بما يكشفونه من أسرار في أنفسهم وفي الآفاق، فتأخذهم نشوة الظفر العلمي، فيحسبون أنهم علموا كل شيء، أو أنهم في الطريق! ولكن المجهول يواجههم بآفاقه المترامية التي لا حد لها، فإذا هم ما يزالون على خطوات من الشاطئ، والخضم أمامهم أبعد من الأفق الذي تدركه أبصارهم! إن ما يطيق الإنسان تلقيه وتسجيله من علم اللّه ضئيل قليل، لأنه يمثل نسبة المحدود إلى غير المحدود.
فليعلم الإنسان ما يعلم وليكشف من أسرار هذا الوجود ما يكشف .. ولكن ليطامن من غروره العلمي، فسيظل أقصى ما يبلغه علمه أن يكون البحر مدادا في يده. وسينفد البحر وكلمات اللّه لم تنفد ولو أمده اللّه ببحر مثله فسينتهي من بين يديه وكلمات اللّه ليست إلى نفاد. (?)
وقد جمعت في هذا الكتاب العديد من الوقفات التربوية والفكرية والسلوكية، وغالبها من تفسير الظلال، ووضعت لكل وقفة عنوان مناسب لها، والأحاديث مخرجة بشكل مختصر مع بعض التعليقات المناسبة.
وهي وقفات هامة جدا تجلي الغبش عن كثير من الأمور الفكرية، والتي نحن بأمس الحاجة اليوم وغدا.