الحكمة من عدم فرض القتال في العهد المكي

أما حكمة هذا، والأمر بالكف عن القتال، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والصبر والاحتمال .. حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق، وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته فيفتن عن دينه. وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحت وطأته ..

أما حكمة هذا فلسنا في حل من الجزم بها. لأننا حينئذ نتألى على اللّه ما لم يبين لنا من حكمة ونفرض على أوامره أسبابا وعللا، قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية. أو قد تكون، ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها، ويعلم - سبحانه - أن فيها الخير والمصلحة .. وهذا هو شأن المؤمن أمام أي تكليف. أو أي حكم في شريعة اللّه - لم يبين اللّه سببه محددا جازما حاسما - فمهما خطر له من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف أو لكيفية تنفيذ هذا الحكم أو طريقة أداء ذلك التكليف، مما يدركه عقله ويحسن فيه .. فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرد احتمال. ولا يجزم - مهما بلغت ثقته بعلمه وعقله وتدبره لأحكام اللّه - بأن ما رآه هو حكمة هو الحكمة التي أرادها اللّه .. نصا .. وليس وراءها شيء، وليس من دونها شيء! فذلك التحرج هو مقتضى الأدب الواجب مع اللّه. ومقتضى ما بين علم اللّه ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة.

وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة .. نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب .. على أنه مجرد احتمال .. وندع ما وراءه للّه. لا نفرض على أمره أسبابا وعللا، لا يعلمها إلا هو .. ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح! إنها أسباب .. اجتهادية .. تخطىء وتصيب. وتنقص وتزيد. ولا نبغي بها إلا مجرد تدبر أحكام اللّه. وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان:

«أ» ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد في بيئة معينة، لقوم معينين، وسط ظروف معينة. ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات، تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015