إن دلالتها واضحة على طبيعة تكوين هذا الخلق المسمى بالإنسان. فهو تكوين خاص متفرد، يزيد على مجرد التركيب العضوي الحيوي، الذي يشترك فيه مع بقية الأحياء. وأيا كانت نشأة الحياة، ونشأة الأحياء فإن الخلق الإنساني يتفرد بخاصية أخرى هي التي ورد بها النص القرآني .. خاصية الروح الإلهي المودع فيه ..
وهي الخاصية التي تجعل من هذا الإنسان إنسانا، يتفرد بخصائصه عن كل الأحياء الأخرى. وهي قطعا ليست مجرد الحياة. فهو يشترك في «الحياة» مع سائر الأحياء. ولكنها خاصية الروح الزائد عن مجرد الحياة.
هذه الخاصية - كما يلهم النص القرآني - لم تجئ للإنسان بعد مراحل أو أطوار من نشأته - كما تزعم الدارونية - ولكنها جاءت مصاحبة لخلقه ونشأته. فلم يجئ على هذا الكائن الإنساني زمان كان فيه مجرد حيّ من الأحياء - بلا روح إنساني خاص - ثم دخلته هذه الروح، فصاربها هو هذا الإنسان! ولقد اضطرت الدارونية الحديثة - على يد جوليان هاكسلي - أن تعترف بشطر من هذه الحقيقة الكبيرة وهي تقرر «تفرد الإنسان» من الناحية الحيوية والوظيفية. ومن ثم تفرده من الناحية العقلية، وما نشأ عن ذلك كله من تفرده من الناحية الحضارية ..
ولكنها ظلت تزعم أن هذا الإنسان المتفرد متطور عن حيوان! والتوفيق عسير بين ما انتهت إليه الداروينية الحديثة من تفرد الإنسان، وبين القاعدة التي تقوم عليها الداروينية - قاعدة التطور المطلق وتطور الإنسان عن الحيوان - ولكن الداروينيين ومن والاهم لا يزالون مصرين على ذلك الاندفاع - غير العلمي - الذي صبغوه بصبغة العلم، في دفعة الانسلاخ من كل مقررات الكنيسة! والذي شجع اليهود على نشره وتمكينه وتثبيته، وإضفاء الصبغة «العلمية» عليه لغرض في نفوسهم ولغاية في مخططاتهم (?)!