فأما في الجزيرة العربية فلعل ذلك معلوم من أحداث السيرة المشهورة. ولعل في هذا الجزء من الظلال وحده ما يكفي لتصوير مواقف المشركين من هذا الدين وأهله منذ الأيام الأولى للدعوة في مكة حتى هذه الفترة التي تواجهها نصوص هذه السورة.
وحقيقة إن المعركة الطويلة الأمد لم تكن بين الإسلام والشرك بقدر ما كانت بين الإسلام وأهل الكتاب من اليهود والنصارى. ولكن هذا لا ينفي أن موقف المشركين من المسلمين كان دائما هو الذي تصوره آيات هذا المقطع من السورة: «كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً! يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ، وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ» ..
لقد كان هذا هو الموقف الدائم للمشركين وأهل الكتاب من المسلمين. فأما أهل الكتاب فندع الحديث عنهم إلى موعده في المقطع الثاني من السورة وأما المشركون فقد كان هذا دأبهم من المسلمين على مدار التاريخ ..
وإذا نحن اعتبرنا أن الإسلام لم يبدأ برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما ختم بهذه الرسالة. وأن موقف المشركين من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنما يمثل موقف الشرك من دين اللّه على الإطلاق فإن أبعاد المعركة تترامى ويتجلى الموقف على حقيقته كما تصوره تلك النصوص القرآنية الخالدة، على مدار التاريخ البشري كله بلا استثناء!
ماذا صنع المشركون مع نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وشعيب، وموسى، وعيسى، عليهم صلوات اللّه وسلامه والمؤمنين بهم في زمانهم؟ ثم ماذا صنع المشركون مع محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به كذلك؟ .. إنهم لم يرقبوا فيهم إلّا ولا ذمة متى ظهروا عليهم وتمكنوا منهم ..
وماذا صنع المشركون بالمسلمين أيام الغزو الثاني للشرك على أيدي التتار؟ ثم ما يصنع المشركون والملحدون اليوم بعد أربعة عشر قرنا بالمسلمين في كل مكان؟ .. إنهم لا يرقبون فيهم إلّا ولا ذمة، كما يقرر النص القرآني الصادق الخالد ..
عند ما ظهر الوثنيون التتار على المسلمين في بغداد وقعت المأساة الدامية التي سجلتها الروايات التاريخية والتي نكتفي فيها بمقتطفات سريعة من تاريخ «البداية والنهاية» لابن