الصريح: «فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» .. «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» ..
فإما دخول فيما دخل فيه المسلمون، وتوبة عما مضى من الشرك والاعتداء.وعندئذ يصفح الإسلام والمسلمون عن كل ما لقوا من هؤلاء المشركين المعتدين وتقوم الوشيجة على أساس العقيدة ويصبح المسلمون الجدد إخوانا للمسلمين القدامى ويسقط ذلك الماضي كله بمساءاته من الواقع ومن القلوب! «وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» ..
فهذه الأحكام إنما يدركها ويدرك حكمتها الذين يعلمون وهم المؤمنون.
وإما نكث لما يبايعون عليه من الإيمان بعد الدخول فيه، وطعن في دين المسلمين. فهم إذن أئمة في الكفر، لا أيمان لهم ولا عهود. وعندئذ يكون القتال لهم لعلهم حينئذ أن يثوبوا إلى الهدى .. كما سبق أن قلنا:
إن قوة المعسكر المسلم وغلبته في الجهاد قد ترد قلوبا كثيرة إلى الصواب وتريهم الحق الغالب فيعرفونه ويعلمون أنه إنما غلب لأنه الحق ولأن وراءه قوة اللّه وأن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما أبلغهم من أن اللّه غالب هو ورسله. فيقودهم هذا كله إلى التوبة والهدى. لا كرها وقهرا، ولكن اقتناعا بالقلب بعد رؤية واضحة للحق الغالب. كما وقع وكما يقع في كثير من الأحايين.
وبعد .. فما المدى الذي تعمل فيه هذه النصوص؟ ما المدى التاريخي والبيئي؟ أهي خاصة بأهل الجزيرة العربية في ذلك الزمان المحدد؟ أم إن لها أبعادا أخرى في الزمان والمكان؟
إن هذه النصوص كانت تواجه الواقع في الجزيرة العربية بين المعسكر الإسلامي ومعسكرات المشركين.
وما من شك أن الأحكام الواردة بها مقصود بها هذا الواقع. وأن المشركين المعنيين فيها هم مشركو الجزيرة .. هذا حق في ذاته .. ولكن ترى هذا هو المدى النهائي لهذه النصوص؟
إن علينا أن نتتبع موقف المشركين - على مدى التاريخ - من المؤمنين. ليتكشف لنا المدى الحقيقي لهذه النصوص القرآنية ولنرى الموقف بكامله على مدار التاريخ: