تتطلبه حياتهم العملية الواقعية .. يصوغونها وفي نفوسهم حرارة العقيدة ودفعتها، وجدية الشريعة وواقعيتها واحتياجات الحياة الواقعية وتوجيهاتها.
هذا هو المنهج القرآني في صياغة النفوس المسلمة والحياة الإسلامية .. أما الدراسة النظرية لمجرد الدراسة، فهذا هو العلم الذي لا يعصم من ثقلة الأرض ودفعة الهوى وإغواء الشيطان ولا يقدم للحياة البشرية خيرا (?)!
ويقف السياق وقفة قصيرة للتعقيب على ذلك المثل الشاخص في ذلك المشهد، للذي آتاه اللّه آياته فانسلخ منها، بأن الهدى هدى اللّه. فمن هداه اللّه فهو المهتدي حقا ومن أضله اللّه فهو الخاسر الذي لا يربح شيئا: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» ..
واللّه سبحانه يهدي من يجاهد ليهتدي، كما قال تعالى في السورة الأخرى: «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» .. وكما قال: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» .. وكما قال: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» ..
كذلك يضل اللّه من يبغي الضلال لنفسه ويعرض عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان، ويغلق قلبه وسمعه وبصره دونها. وذلك كما جاء في الآية التالية في السياق: «وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» .. وكما قال تعالى: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً» .. وكما قال: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ، وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً، إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ... »
ومن مراجعة مجموعة النصوص التي تذكر الهدى والضلال، والتنسيق بين مدلولاتها جميعا يخلص لنا طريق واحد بعيد عن ذلك الجدل الذي أثاره المتكلمون من الفرق الإسلامية، والذي أثاره اللاهوت المسيحي والفلسفات المتعددة حول قضية القضاء والقدر عموما ..