إنه مثل للعلم الذي لا يعصم صاحبه أن تثقل به شهواته ورغباته فيخلد إلى الأرض لا ينطلق من ثقلتها وجاذبيتها وأن يتبع هواه فيتبعه الشيطان ويلزمه ويقوده من خطام هذا الهوى ..
ومن أجل أن العلم لا يعصم يجعل المنهج القرآني طريقه لتكوين النفوس المسلمة والحياة الإسلامية، ليس العلم وحده لمجرد المعرفة ولكن يجعل العلم عقيدة حارة دافعة متحركة لتحقيق مدلولها في عالم الضمير وفي عالم الحياة أيضا ..
إن المنهج القرآني لا يقدم العقيدة في صورة «نظرية» للدراسة .. فهذا مجرد علم لا ينشىء في عالم الضمير ولا في عالم الحياة شيئا .. إنه علم بارد لا يعصم من الهوى، ولا يرفع من ثقلة الشهوات شيئا. ولا يدفع الشيطان بل ربما ذلل له الطريق وعبدها! كذلك هولا يقدم هذا الدين دراسات في «النظام الإسلامي» ولا في «الفقه الإسلامي» ولا في «الاقتصاد الإسلامي» ولا في «العلوم الكونية» ولا في «العلوم النفسية» ولا في أية صورة من صور الدراسة المعرفية! إنما يقدم هذا الدين عقيدة دافعة دافقة محيية موقظة رافعة مستعلية تدفع إلى الحركة لتحقيق مدلولها العملي فور استقرارها في القلب والعقل وتحيي موات القلب فينبض ويتحرك ويتطلع وتوقظ أجهزة الاستقبال والاستجابة في الفطرة فترجع إلى عهد اللّه الأول وترفع الاهتمامات والغايات فلا تثقلها جاذبية الطين ولا تخلد إلى الأرض أبدا.
ويقدمه منهجا للنظر والتدبر يتميز ويتفرد دون مناهج البشر في النظر، لأنه إنما جاء لينقذ البشر من قصور مناهجهم وأخطائها وانحرافها تحت لعب الأهواء، وثقلة الأبدان، وإغواء الشيطان! ويقدمه ميزانا للحق تنضبط به عقول الناس ومداركهم، وتقاس به وتوزن اتجاهاتهم وحركاتهم وتصوراتهم فما قبله منها هذا الميزان كان صحيحا لتمضي فيه وما رفضه هذا الميزان كان خاطئا يجب الإقلاع عنه.
ويقدمه منهجا للحركة يقود البشرية خطوة خطوة في الطريق الصاعد إلى القمة السامقة. وفق خطاه هو ووفق تقديراته .. وفي أثناء الحركة الواقعية يصوغ للناس نظام حياتهم، وأصول شريعتهم، وقواعد اقتصادهم واجتماعهم وسياستهم. ثم يصوغ الناس بعقولهم المنضبطة به تشريعاتهم القانونية الفقهية، وعلومهم الكونية والنفسية، وسائر ما