الجاهليات! وهذا ما كانت الشياطين - من الإنس والجن - توسوس به لأوليائها ليجادلوا المسلمين فيه من أمر هذه الذبائح مما تشير إليه الآيات:
«وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ - وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ .. وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ .. » ..
وأمام هذا التقرير الأخير نقف، لنتدبر هذا الحسم وهذه الصراحة في شأن الحاكمية والطاعة والاتباع في هذا الدين ..
إن النص القرآني لقاطع في أن طاعة المسلم لأحد من البشر في جزئية من جزئيات التشريع التي لا تستمد من شريعة اللّه، ولا تعتمد على الاعتراف له وحده بالحاكمية .. أن طاعة المسلم في هذه الجزئية تخرجه من الإسلام للّه، إلى الشرك باللّه. وفي هذا يقول ابن كثير:
«وقوله تعالى: (وإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) .. أي حيث عدلتم عن أمر اللّه لكم وشرعه، إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره .. فهذا هو الشرك .. كقوله تعالى: «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» .. الآية. وقد روى الترمذي في تفسيرها عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِى عُنُقِى صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ «يَا عَدِىُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» (?).
أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام. وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ) ..
فهذا قول السدي وذاك قول ابن كثير .. وكلاهما يقرر في حسم وصرامة ووضوح - مستمدة من حسم النص القرآني وصرامته ووضوحه، ومن حسم التفسير النبوي للقرآن وصرامته ووضوحه كذلك - أن من أطاع بشرا في شريعة من عند نفسه، ولو في جزئية صغيرة، فإنما هو مشرك. وإن كان في الأصل مسلما ثم فعلها فإنما خرج بها من الإسلام إلى