وقفة أمام تعبيرين قرآنيين لا تقربوها، لا تعتدوها

نقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد، حسب اختلاف الملابستين:

في مناسبة سبقت في هذه السورة عند الحديث عن الصوم. ورد تعقيب: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها».

وهنا في هذه المناسبة ورد تعقيب: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها» ..

في الأولى تحذير من القرب. وفي الثانية تحذير من الاعتداء .. فلما ذا كان الاختلاف؟

في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ .. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ .. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ .. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها» ..

والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية. فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود اللّه فيها، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ووقع في نطاق حبائلها! أما هنا فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات. فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف وتجاوزها وعدم الوقوف عندها. فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة. بسبب اختلاف المناسبة .. وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة! (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015